للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدى التاريخ - إن حقا وإن باطلا - بأنهم كانوا وراء كل عدوان وقع على جماعة من الجماعات، فقد تناسى المتهمون الأسباب السياسية والاجتماعية والمطامع القومية وحب التوسع، وتذكروا الدين ورجاله فاتهموهم بالوقوف وراء هذه الحروب التى اجتاحت كثيرا من بلدان العالم. ولهذا فإن التسامح والتواصل ووحدة الصف ألزم ما تكون للدعاة الدينيين الذين يريدون أن تعود كلمة الله العليا، الصادقة العادلة إلى السيادة والاحتكام ليبرهنوا لهؤلاء المتشككين المشككين أن الدين في صدق الدلالة وإخلاص الكلمة وشدة الحرص على تحقق العدل والإخاء الإنساني أبعد ما يكون عن التعصب والتقاطع والتدابر، وأنه متى فهم حق فهمه وطبق حق تطبيقه أسعد الإنسانية وأخرجها مما تتردى فيه من تناحر وتنابز.

إن الفكر الديني ورجاله مدعوون لمقابلة هذا التحدي الذي تواجههم به الفلسفات المادية الملحدة والفلسفات التي تنبع من الفكر البشري في حدوده الضيقة، ومن واجبهم أن يبينوا للناس ولا ينكرونه أن الدين هو الأساس، ولا أساس غيره لبشرية متفاهمة متوادة متعاطفة ترتبط فيما بينها بهذا الرباط المقدس الذي بدوره يربطها بمنبع وجودها.

٥ - الموقف التاريخي للإسلام والمسلمين

أولا: القرآن:

وقد كان هذا الفهم العميق للدين ورسالته في إسعاد البشرية في هذه الحياة والحياة الأخرى هو منطلق القرآن الكريم كلمة الله الخالدة التي أوحى الله بها إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم - فقال: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (١) تأسيسا لقواعد أصيلة، وتقريرا لواقع شاء الله أن يمتحن به عباده. فهناك شرائع شرعها الله هي التي يجب أن تكون المرجع في حياة من أوحى إليهم بها، وتقريرا لواقع اختلاف المناهج ورد ذلك إلى مشيئة الخالق، فلا حق لأحد أن يكره الآخر أن يدين بما يدين به {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (٢) الآية ٩٩ من سورة يونس. . {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (٣) الآية ٢٥٦ من سورة البقرة. . {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} (٤) الآية ١١٨ من سورة هود. . هذا الاختلاف والتعدد الذي شاءه الله وأراد أن يقع في سلطانه ومملكته لا يصح أن يكون سببا للبغي والعدوان، ولكن هناك القاعدة الأساسية التي تبنى عليها أخلاقيات الدين {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (٥) تسارعوا في العمل الخير وإسعاد البشرية وتقريبها خطوة أخرى نحو خالقها، هذا هو مجال التنافس والتسابق.


(١) سورة المائدة الآية ٤٨
(٢) سورة يونس الآية ٩٩
(٣) سورة البقرة الآية ٢٥٦
(٤) سورة هود الآية ١١٨
(٥) سورة البقرة الآية ١٤٨