ثالثا: الحكم والفكر الإسلامي: وتجلى هذا التيار الإنساني القائم على التوجيه الرباني في الحكم الإسلامي على مدى العصور، كما تجلى في الدراسات الإسلامية الموضوعية التي قام بها رجال الدين من مفكري الإسلام. وهل هناك دراسة أكثر موضوعية من الدراسات الدينية التي قام بها الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) أو البيروني في كتابه عن الهند.
٦ - الغرب والإسلام
ولم يتغير هذا التيار الديني من التفاهم والتواصل حتى حدثت الغارة على العالم الإسلامي في شكل حروب تشنها وتحرض عليها الكنيسة، لما لم تحرز شيئا مما كانت تستهدفه، وانعكست الثقافة والحضارة الإسلامية على هؤلاء الذين وطئت أقدامهم أرض الإسلام انحسر التيار المادي العسكري وتحول النزاع إلى المجال الفكري فبدأت أقسام الدراسات الشرقية تخرج العديد من الكتب والمجلات والحوليات كلها عداء صريح ومقاومة فكرية للأسس الإسلامية كدين ثم للحضارة المنبعثة عنه ولا يزال هذا التيار الفكري سائدا في مجال الدراسات الإسلامية على الرغم مما نسمعه من حيدة وأمانة علمية.
٧ - ما نراه أساسا للحوار
ليس معنى هذا أننا نحن المسلمين نغلق بأيدينا أبواب الحوار والتفاهم، فهذا ليس من شأننا ولا من طبيعة ديننا، وقيام هذا المؤتمر وما سبقه دليل على هذا، ولكن نحب أن يكون التفاهم والحوار في هذا المؤتمر وما يمكن أن ينبثق عنه من مقررات، وما يتلوه من مؤتمرات، قائما على الفهم والإدراك وتقدير الإسلام في ذاته كدين، والاعتراف بالمكانة الصحيحة التي يتبوأها محمد (صلى الله عليه وسلم) كرسول أتى برسالة أدت إلى قيام مجتمع تنبثق قيمه وتعاليمه ونظم حياته وأخلاقياته كلها من الرسالة، ومن شخصية الرسول الذي كان القدوة العملية والتطبيق الفعلي له. نريد اعترافا وتقريرا للمصادر الإسلامية الصحيحة كما يفهمها المسلم الحق، لا كما يتصورها المستشرق الذي تحيز لوجهة نظر معينة مسبقة ثم أخذ بعد ذلك يشرح الإسلام على ضوئها، فإن هذا الموقف الذي ساد في مجال الدراسات الإسلامية هو الذي يبعث المخاوف في نفوسنا نحن المسلمين ويدفعنا دائما للتساؤل عن الدوافع من هذه اللقاءات.
وإذا كنت هنا أقصر مخاوفي على الدراسات الإسلامية؛ ذلك لأن المجال فيها دائما يلبس ثوب النزاهة العلمية والموضوعية في الدرس والتقييم، ومن هنا كان سوء الفهم له آثاره البعيدة المدى. وهي في الوقت نفسه الدائرة التي تؤخذ على أنها تمثل وجهة النظر الرسمية في الغرب فيما يختص بالإسلام وبلاده، وهي الجهة التي تخطط الحكومات الغربية سياستها تجاه الإسلام والمسلمين على أساس من توجيهها.
بقي هناك طرفان آخران في هذا المجال هما: الكتابات التي تنبعث عن روح التبشير المحضة، وهذه لا مجال للحديث عنها لأنها تفتح جراحا نحاول أن نعمل جميعا على التئامها، وهي لا تخدم قضية التفاهم في قليل أو كثير، ولعل إخواننا رجال الدين المسيحي