يستفيدون من درس التاريخ ومن النقد الذاتي الذي بدأوا هم أنفسهم بممارسته إزاء المحاولات الجافية والتصورات المستفزة، والآراء الخاطئة والتشويه المتعمد الذي ملئوا به كتاباتهم في الماضي، لعلهم يستفيدون من كل هذا في اتخاذ مواقف إيجابية تعمل على تلافي هذه المساوئ والتخلي عن الأفكار العتيقة البالية التي كان يبثها زعماء التبشير في القديم جلبا للتأييد المادي لرسالتهم المشبوهة. فليس كافيا أن يعلنوا أسفهم على مساوئ الماضي دون أن يصححوا هذه المساوئ.
أما الطرف الأخير، فهو الإنسان العادي الذي تربى في الحضارة الغربية ولم تتح له فرصة كافية للتعرف على الإسلام والمسلمين تعرفا كاملا قائما على التصور الصحيح، وهذا هو السند الكبير في قضية الفهم المتبادل؛ فإن اللقاءات العديدة التي تحدث بين العاملين في مجال الدعوة الإسلامية في الغرب وبين هؤلاء الناس لا أقول إنها لقاءات بقصد التبشير بالإسلام، ولكنها لقاءات بقصد التعريف بالمسلم وطريقة حياته ومنطلق تفكيره وإيضاح بعض التصرفات التي تبدو غريبة لهذا الإنسان العادي، هذه اللقاءات تقوم على التفاهم والطرف الآخر فيها غالبا لا يحمل معه حزازات أو سوء نية أو تعصب ما. ومن هنا يكون التفاهم ويكون التعاطف والإدراك.
وإن الاستجابة التي يلمسها الداعية المسلم من هذا الجمهور مدهشة حقا، إنهم يكتشفون- لشدة دهشتهم وعجبهم- أن هذا الدين يمثل منطلقا فكريا حضاريا يضمن للإنسانية السعادة والطمأنينة والسلام.