الشامي عطاء بن أبي رباح وأنا أسمع أدركت في البيت تمثال مريم وعيسى قال نعم أدركت فيها تمثال مريم مزوقا في حجرها عيسى ابنها قاعدا مزوقا. قال وكانت في البيت أعمدة ست سواري وكان تمثال عيسى ومريم في العمود الذي يلي الباب، قال ابن جريج فقلت لعطاء متى هلك قال في الحريق في عصر ابن الزبير. قلت أعلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قال لا أدري وإني لأظنه قد كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال له سليمان: أفرأيت تماثيل صور كانت في البيت من طمسها؟ قال: لا أدري غير أني أدركت من تلك الصور اثنتين درستا وأراهما والطمس عليهما. قال ابن جريج ثم عاودت عطاء بعد حين فخط لي ست سواري ثم قال: تمثال عيسى وأمه عليهما السلام في الوسطى من اللاتي تلين الباب الذي يلينا إذا دخلنا.
ثم قال الأزرقي حدثني جدي قال حدثنا داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن دينار قال: أدركت في بطن الكعبة قبل أن تهدم تمثال عيسى ابن مريم وأمه.
فجوابه أن يقال قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها ولم يستثن شيئا من الصور، وثبت أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال «دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال - صلى الله عليه وسلم -: " أما لهم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة هذا إبراهيم مصور فما له يستقسم (١)» وثبت أيضا عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال «دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة ورأى صورا قال فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول: قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون» وقد تقدم ذكر هذه الأحاديث الثلاثة قريبا. وتقدم أيضا ما ذكره الزرقاني على المواهب أنه وقع عند الواقدي في حديث جابر «وكان عمر قد ترك صورة إبراهيم فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رآها فقال: " يا عمر ألم آمرك أن لا تدع فيها صورة قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام ثم رأى صورة مريم فقال امحوا ما فيها من الصور قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون»، وعلى هذا فيحتمل أن تكون صورة مريم وعيسى محفورة في عمود البيت بحيث لا يذهبها الغسيل بالماء فلهذا بقيت إلى أن احترق البيت في عهد ابن الزبير. ويحتمل أن تكون مصبوغة بصبغ ثابت لا يذهبه الماء أو أنه قد ذهب بعض الصبغ حيث محيت بالماء في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقي منه بقية تظهر منه الصورة، وقد تقدم عن عطاء أنه أدرك أيضا صورتين من الصور التي كانت في الكعبة وأنهما قد درستا وأنه رأى الطمس عليهما. فلعل صورة مريم وعيسى كانت كذلك. ويحتمل أن يكون قد أزلق عليها ما يمنع من رؤيتها فخفيت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى الخلفاء الراشدين وعلى غيرهم من الصحابة ورآها عطاء وعمرو بن دينار بعدما أزيل عنها ما يمنع من رؤيتها.
ويحتمل أن يكون بعض النصارى وضعها بعد زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد زمن الخلفاء الراشدين ولا سيما في زمن الفتنة التي كانت في زمن يزيد بن معاوية فقد يتسمى بعض النصارى بالإسلام بحيث لا يرد عن دخول مكة ودخول الكعبة فيصور صورة مريم وعيسى ليفتن المسلمين بذلك ويوهمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
(١) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٣٥١)، سنن أبو داود المناسك (٢٠٢٧).