للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحدود (١).

وأما تعليل الحنفية بأن عقوبة الجرائم الماسة بحقوق الآدميين تعتمد على المماثلة بين الجريمة والعقوبة، ولا مماثلة بين الحد والقذف، فيجاب أن المماثلة ليست منحصرة في المماثلة صورة ومعنى؛ بل يكفي أن تكون المماثلة معنى، والمماثلة المعنوية متحققة في حد القذف، لأن القاذف ألحق الضرر والعار بالمقذوف، حيث شوه سمعته، وجعله عرضة لألسنة الناس، فعوقب بحد يلحق به ضررا وعارا يماثل ما ألحقه بالمقذوف.

ب- وأما جرائم القصاص والدية بالاعتداء على النفس وما دونها، فهذه الجرائم اعتداء على أفراد معينين، وتلحق بهم ضررا مباشرا، والعقوبات المفروضة على هذه الجرائم إنما فرضت حماية لحقوق العباد وتحقيقا للمصالح الشخصية.

وليس معنى قولنا أن جرائم القصاص تمس حقوق الآدميين يعني نفي مساسها لحقوق الجماعة، بل هذه الجرائم تمثل اعتداء على الناحيتين: ناحية شخصية، وناحية اجتماعية، فهي اعتداء على حياة الأفراد وما دونها من ناحية، ومساس واعتداء على النظام الاجتماعي ونظام الحكم من ناحية أخرى.

وإنما نعني بذلك: تغليب حق الفرد على حق الجماعة، وكذلك الشأن في الجرائم التي قلنا فيها أنها تمس حقوق


(١) المغني ٢/ ٣٨٦.