للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحنابلة (١) إلى أن جانب الاعتداء على حق الله هو الغالب والقوي. وحجتهم في ذلك أن عقوبة الجرائم الماسة بحق العبد تعتمد على المماثلة؛ لأنها تجب جبرا لمستحقها، والجبر لا يحصل إلا بالمثل، ولا مماثلة بين عقوبة القذف وجريمة القذف، ولأن فيها يجري كثير من الأحكام التي تجري في الجرائم الماسة بحق الله تبارك وتعالى، ولأنه تعارض فيه الحقان فيغلب حق الله تعالى (٢).

٣ - وذهب بعض المالكية إلى التفريق بين الجريمة قبل رفعها إلى القاضي وبعد رفعها إليه، فقبل الرفع إلى القاضي تعتبر العقوبة حقا للآدمي، بينما هي بعد الرفع إلى القاضي تكون حقا لله تعالى، فلا يسقط إلا إذا أراد الستر على نفسه (٣).

ولعل الراجح- والله أعلم- هو ما ذهب إليه الشافعية ومن معهم؛ لوجاهة ما عللوا به، ولأنه شرع صيانة لعرض العبد، فالمصلحة التي تترتب على إقامة العقوبة على القذف ترتبط بالفرد أكثر من ارتباطها بالمجتمع، فلا يقام الحد إلا بطلبه، ولأن المقر بجريمة القذف لو رجع عن الإقرار لم يقبل رجوعه، ولم يسقط عنه الحد، ولو كان الغالب فيه حق الله لقبل رجوعه كسائر


(١) الفروع ٦/ ٩٣، الإنصاف ١٠/ ٢٠١.
(٢) فتح القدير ٥/ ٣٢٧، تبيين الحقائق ٣/ ٣٠٢، بدائع الصنائع ٧/ ٥٦.
(٣) بداية المجتهد ٢/ ٤٣٨، حاشية الخرشي على خليل ٨/ ٩٠ - ٩١.