للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما أن الدعوى والخصومة شرط لإثبات الجرائم التي تقع ضد الأفراد وتمس حقوقهم، كجرائم القصاص، والديات، فليس للقاضي أن يحكم بثبوت حق لشخص على شخص آخر ما لم يطالب صاحب الحق بذلك، أو من ينوب عنه، وليس للشهود أن يتقدموا لأداء شهادتهم في هذه الجرائم ما لم يطالبوا بذلك وما لم تسبق الدعوى على شهادتهم؛ لأن الشهادة شرعت لإظهار الحق المطالب به، وحق الآدمي لا يظهر بغير دعواه " لأنه يحتمل أنه استوفاه أو أبرأ منه وعفا عنه دون أن يكون للشهود علم بذلك (١).

وهذا الحكم يجري في حد القذف الذي يمس حق الله وحق العبد معا، ولكن حق العبد هو الغالب- كما رجحنا ذلك- حيث ذهب جمهور الفقهاء- سواء منهم من يرى أن الغالب هو حق الله أو حق العبد- إلى اشتراط الدعوى والخصومة في الحكم بثبوته؛ لأن حد القذف شرع حماية لعرض العبد ودفعا للضرر والعار عنه، ولأن إقامة حد القذف بدون مطالبة المقذوف قد يؤدي إلى إلحاق الضرر والعار بالمقذوف، وخاصة إذا لم يكن قذفه مشهورا بين الناس، ففي إقامة الحد في مثل هذه الصورة إلحاق للعار بالمقذوف، وهذا يتنافى مع الهدف الذي شرعت العقوبة من أجله.


(١) راجع: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ١٠/ ٢٠١، وتبيين الحقائق ٤/ ٢٢٩.