للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجرائم التي تمس حقوق الجماعة. فيجوز العفو في جريمة السرقة قبل رفعها إلى القاضي، يدل على ذلك ما روى مالك في الموطأ (١): " أن الزبير بن العوام لقي رجلا قد أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان، فشفع له الزبير ليرسله، فقال: لا، حتى أبلغ به السلطان، فقال الزبير: إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع ".

ومن ذلك: «أن صفوان بن أمية كان نائما على رداء له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء لص فسرقه، فأخذه فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يده، فقال صفوان: يا رسول الله، لم أرد هذا، ردائي عليه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهلا قبل أن تأتيني به (٢)».

فهذه الأحاديث تدل على جواز العفو في السرقة قبل رفع الجريمة إلى القضاء، كما تدل على عدم تأثيره بعد رفعها إلى الإمام، وهذا هو الحكم بالنسبة للشفاعة، فهي جائزة قبل رفعها إلى الإمام ومذمومة بعد الرفع، يدل عليه الذي سبق ذكره، ويدل عليه حديث المخزومية أيضا التي سرقت، وشفع المسلمون فيها أسامة بن زيد لدى الرسول صلى الله عليه وسلم، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: «أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم خطب وقال: " يا أيها الناس، إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق


(١) كتاب الحدود، باب ترك الشفاعة للسارق إذا بلغ السلطان ص ٦٠٠.
(٢) سنن ابن ماجه ٢/ ٨٦٥، سنن النسائي ٨/ ٦٨، مستدرك الحاكم ٤/ ٩٥، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في إرواء الغليل ٧/ ٣٤٥.