للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشفع لدى المجني عليه أو ورثته ويرغب في العفو، على نحو ما مر من حديث أنس أنه قال: «ما رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو (١)».

إذا فعقوبة الجرائم الماسة بحق الله تتسم بالشدة، بخلاف العقوبات في الجرائم الماسة بحقوق العبد، وذلك أنه في تقدير العقوبة في الجرائم الماسة بحق الله لا ينظر إلى الجريمة ذاتها؛ بل ينظر إلى آثارها السيئة على المجتمع والمصالح العامة وحقوق الجماعة. فقد تكون الجريمة بحيث لا يكون فيها أذى حسي لشخص ما، كزنى رجل غير متزوج بامرأة غير متزوجة راضية مختارة، فإذا نظرنا إلى الجريمة من الناحية الشخصية لا نجد فيها معنى الاعتداء واضحا، ولكن فرضت العقوبة نظرا إلى الآثار القبيحة التي يلقاها المجتمع. من جراء هذه الجريمة من إشاعة الفاحشة والاعتداء على النسل والعرض، ومخالفة الناموس الاجتماعي، واختلاط النسب، وضياع أنفس، ونسبة الإنسان إلى غير أبيه وغير ذلك (٢)، ولذلك صارت العقوبة شديدة.

وكذلك نأخذ مثالا آخر، قطاع الطريق إذا خرجوا واتفقوا فيما بينهم، فالشريعة تعاقبهم على مجرد هذا الخروج، وإن لم يرتكبوا أي جريمة أخرى من القتل وأخذ المال وهتك الأعراض ونحو ذلك. فإذا نظرنا إلى مجرد الخروج فلا نجد فيه أي اعتداء حسي على أحد، ولكن الشريعة فرضت العقوبة نظرا إلى الآثار


(١) سنن النسائي القسامة (٤٧٨٣)، سنن أبو داود الديات (٤٤٩٧)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٩٢)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢١٣).
(٢) راجع فلسفة العقوبة في الفقه الإسلامي ص ٧٢.