للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بما فيه من أحكام وقد كان السلف رحمهم الله يعرفون الرسم العثماني، فيسهل عليهم قراءة القرآن بذلك الرسم وقاموا بما وجب عليهم من تدبره وأخذ الأحكام منه وتحكيمه فيما شجر بينهم خير قيام.

ولما طال الأمد، ووضعت قواعد جديدة للإملاء وسار عليها الكتاب، وألفها القراء بكثرة استعمالها كتابة وقراءة شق عليهم أن يقرءوا القرآن بالرسم الذي كتبت به المصاحف العثمانية، فتيسيرا عليهم ودفعا للحرج عنهم يجوز أن يكتب القرآن بالمصاحف وغيرها حسب قواعد الإملاء ليتمكن الجمهور من تلاوته بسهولة تلاوة صحيحة، ويتعبدوا بقراءته دون تحريف، ويتحفظوه على طريق مستقيم فإن الشريعة سمحة سهلة جاءت بالتيسير ورفع الحرج، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (١) وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٢) ومن القواعد الثابتة في الشريعة أن المشقة تجلب التيسير.

ب - في عهد بني أمية كثر دخول الأعاجم في الإسلام، واختلط بهم مسلمو العرب، وكثر اللحن، وخيف على كثير من المسلمين أن يلحنوا في قراءة القرآن، فأمر الخليفة عبد الملك بن مروان بنقط المصحف وشكله، صيانة له من اللحن والتحريف في القراءة، وتصدى لذلك الحجاج بن يوسف الثقفي، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر فقاما بنقطه وشكله، ولم يكن ذلك بدعا من القول ولا ابتداعا في الدين، لبنائه على مقاصد الشريعة في حفظ القرآن وتيسير تعلمه وتعليمه وإبلاغه للناس، هداية لهم وإقامة للحجة عليهم، ثم ثبت إجماع الأمة على نقط المصحف وشكله، واستمر العمل على ذلك إلى عصرنا فلم يعرف من أنكر ذلك مع طول العهد.

وقد أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم على أن جمع أبي بكر الصديق القرآن أولا وجمع عثمان بن عفان له ثانيا من محامدهما - رضي الله عنهما -.

ولا شك أن كتابة المصحف حسب القواعد الإملائية من جنس جمع القرآن أولا وثانيا ومن جنس نقطه وشكله، من جهة البناء على مقاصد الشريعة والاعتماد على


(١) سورة البقرة الآية ١٨٥
(٢) سورة الحج الآية ٧٨