فقالت ياابن أختي هذا عمل الكتاب أخطئوا في الكتابة. قلت تأويله ظاهر وذلك أن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم التي تزاد فيها لمعنى وتنقص منها لآخر تأكيدا للبيان وطلبا للخفة وإنما سألها فيه عن حروف من القراءة المختلفة الألفاظ المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي أذن الله - عز وجل - لنبيه - عليه السلام - ولأمته في القراءة بها واللزوم على ما شاءت منها تيسيرا لها وتوسعة عليها وما هذا سبيله وتلك حاله فعن اللحن والخطأ والوهم والزلل بمعزل لفشوه في اللغة ووضوحه في قياس العربية وإذا كان الأمر في ذلك كذلك فليس ما قصدته فيه بداخل في معنى المرسوم ولا هو من سببه في شيء وإنما سمى عروة ذلك لحنا وأطلقت عائشة على مرسومه كذلك الخطأ على جهة الاتساع في الأخبار وطريق المجاز في العبارة إذا كان ذلك مخالفا لمذهبهما وخارجا عن اختيارهما وكان الأوجه والأولى عندهما والأكثر والأفشى لديهما لا على وجه الحقيقة والتحصيل والقطع لما بيناه قبل من جواز ذلك وفشوه في اللغة واستعمال مثله في قياس العربية مع انعقاد الإجماع على تلاوته كذلك دون ما ذهبا إليه إلا ما كان من شذوذ أبي عمرو بن العلاء في إن هذين (٢٠ - ٦٣) خاصة هذا الذي يحمل عليه هذا الخبر ويتأول فيه دون أن يقطع به على أن أم المؤمنين - رضي الله عنها - مع عظيم محلها وجليل قدرها واتساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لحنت الصحابة وخطأت الكتبة وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر هذا ما لا يسوغ ولا يجوز قد تأول بعض علمائنا قول أم المؤمنين أخطئوا في الكتاب أي أخطئوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة يجمع الناس عليه لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز لأن ما لا يجوز مردود بإجماع وإن طالت مدة وقوعه وعظم قدر موقعه وتأول اللحن إنه القراءة واللغة كقول عمر - رضي الله عنه - أبي أقرؤنا وإنا لندع بعض لحنه أي قراءته ولغته فهذا بين وبالله التوفيق.
حدثنا الخاقاني قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال سألت عائشة - رضي الله عنها - عن لحن القرآن عن قول الله عز وجل إن هذان لسحران وعن قوله والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة وعن قوله تبارك وتعالى إن الذين آمنوا والذين هادوا. . والصبئون فقالت يا ابن أختي هذا عمل الكتاب أخطئوا في الكتاب.
فإن قال قائل: فإذ قد أوضحت ما سئلت عنه من تأويل هذين الخبرين فعرفنا بالسبب الذي دعا عثمان - رضي الله عنه - إلى جمع القرآن في المصاحف وقد كان مجموعا في الصحف على ما رويته لنا في حديث زيد بن ثابت المتقدم قلت: السبب في ذلك بين فذلك الخبر على قول بعض العلماء وهو أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان قد جمعه أولا على السبعة الأحرف التي أذن الله - عز وجل - للأمة في التلاوة بها