ولم يخص حرفا بعينه فلما كان زمان عثمان ووقع الاختلاف بين أهل العراق وأهل الشام في القراءة وأعمله حذيفة بذلك رأى هو ومن بالحضرة من الصحابة أن يجمع الناس على حرف واحد من تلك الأحرف وأن يسقط ما سواه فيكون ذلك مما يرتفع به الاختلاف ويوجب الاتفاق إذا كانت الأمة لم تؤمر بحفظ الأحرف السبعة وإنما خيرت في أيها شاءت لزمته وأجزأها كتخييرها في كفارة اليمين بالله بين الإطعام والكسوة والعتق لا أن يجمع ذلك كله فكذلك السبعة الأحرف.
وقيل إنما جمع المصحف في مصحف واحد لما في ذلك من حياطة القرآن وصيانته وجعل المصاحف المختلفة مصحفا واحدا متفقا عليه وأسقط ما لا يصح من القراءات ولا يثبت من اللغات وذلك من مناقبه وفضائله - رضي الله عنه -). اهـ. وإذا ثبت ذلك فلم لا يجوز أن يكتب المصحف بالرسم الإملائي بعد إحكامه وضبط قواعده، بل هو أولى منه وأدق وأحسن نظاما وأوضح قراءة وأسهل تلاوة.
ونوقش ذلك بما يأتي:
أ - وقد يقال: لا حرج في قراءة القرآن بالرسم العثماني، فإن سهولة القراءة تدور على معرفة الرسم والتمرين على القراءة به أيا كان، فإذا عني الإنسان بالرسم العثماني وتعهده بالقراءة سهلت عليه القراءة به كالقراءة حسب قواعد الإملاء، فإنها سهلت بمعرفة الرسم الإملائي وتطبيقه كتابة وقراءة، وهذا أمر عام في جميع اللغات، فإن مبناها المعرفة والمحاكاة والتلقي.
ويشهد لذلك سهولة القراءة في المصحف بالرسم العثماني على من تعلموا طوال القرون الماضية في الكتاتيب إلى العصر الحاضر مع انتشار قواعد الإملاء والعمل بها تأليفا وقراءة، فالسهولة والصعوبة والوضوح والاشتباه ليس ذاتيا لهذا أو ذاك، وإنما يرجع ذلك إلى التعهد والعناية، والإهمال والإعراض.
ب - على أن هناك كلمات تكتب في الرسم الإملائي على طريقة الرسم العثماني مستثناة من القواعد الإملائية ولم يعق ذلك العصريين عن قراءتها أو كتابتها ولم يشق عليهم متابعة الرسم العثماني فيها مثل حذف الألف من ذلك، وهذا، وهؤلاء، ولكن، وأولئك. . . الخ ومثل زيادة الواو في أولئك، وأولو الألباب، وأولي أجنحة، وزيادة الألف في مائة.
ت - إن المشقة التي يعانيها من لم يعرف الرسم العثماني في تلاوة القرآن ليست من جنس الضرورة إلى جمع القرآن ولا من جنس الحاجة إلى نقطه وشكله، فإنه يمكن القضاء على تلك المشقة بمعرفة الرسم العثماني والتمرس بالقراءة على مقتضاه كما تقدم بيانه، بخلاف الضرورة إلى جمع القرآن أولا وثانيا فإنها لا ترتفع إلا بجمعه ولا يقضى عليها إلا به، وكذا الحال في الحاجة إلى نقطه وشكله، فإنها لا تزول إلا بذلك ولا تندفع إلا به، إذ العجمة تتزايد بدخول الأعاجم في الإسلام، وضعف اللسان