إن رصيد الأوراق النقدية وإن كان مختلفا، فبعضه ذهب أو فضة وآخر منه عقار أو أوراق مالية من أسهم وأسناد إلا أن ما كان منه عقارا أو أوراقا مالية لم يعتبر رصيدا بنفسه، وإنما اعتبر بما قدر به من العمل المتعامل بها سابقا في دولة الإصدار، ذهبا كانت أم فضة، وكذا ما كان أوراقا وثيقية عمادها التزام سلطة الإصدار ليست قيمتها من مجرد سن الدولة التعامل بها، لما سبق في بيان السبب الثاني من أسباب سر قابلية النقد وسيطا في التبادل، وإنما كسبت الأوراق الوثيقية ثقة الناس بها وقبولها إياها وسيطا في التعامل من ملاءة سلطة الإصدار القائمة مقام الذهب أو الفضة مع سنها التعامل بها، فعاد الأمر إلى قيم ما كان به مليئا من ذهب أو فضة أو ما يقدر بهما، وبذلك كان بعض الرصيد ذهبا أو فضة بالفعل، وبعضه الآخر في حكم الذهب أو الفضة تبعا لنوع العمل المتعارف عليها في الدولة قبل إصدار الأوراق النقدية أما ما قيل من أن هذا الرأي يستلزم الحرج والمشقة في مسائل الصرف؛ لاشتراط المماثلة في الجنس فغير مسلم، فإن ما اشترط من المماثلة في حال معاوضة بديل الذهب مثلا بعضه ببعض قد اشترط في حال معاوضة الذهب نفسه بعضه ببعض ولم يعتبر ذلك حرجا، فكذا لا يعتبر اشتراط المماثلة في حال المعاوضة في البديل حرجا، ويؤيد ما ذكر من البديلة واعتبار الرصيد قائما أن قيمة الأوراق النقدية لا تخضع في صعودها وهبوطها لحالة السوق التجارية عرضا وطلبا فقط، بل تخضع في ذلك أيضا لحالة رصيدها قوة وضعفا، فإن كان لها نسبة معتبرة من الرصيد مع ملاءة الدولة أو ارتبطت بعملة لدولة أخرى مليئة معتبرة، كعملة الدولار أو الإسترليني في الوقت الحاضر أثبتت وجودها وعلت قيمتها، وإلا تزلزلت وهبطت قيمتها، ومن هنا قيل هذه عملة صعبة وقيل في أخرى ليست صعبة ويشهد لذلك حالة الورق النقدي في بعض الدول العربية حينما انفصل عن الإسترليني فهبط بعد أن كان صاعدا مرتفعا سعره في السوق العالمية، ويؤيد اعتبار الرصيد أيضا، وأنه لم يزل قائما أن الدولة إذا أبطلت نوعا من الأوراق النقدية لزمها تعويض من بيده الأوراق إما بأصل الرصيد أو بأوراق أخرى تقوم مقام نصيبها من الرصيد، وإنما منعت الدولة التعويض عن الأوراق بما يقابلها من نفس الرصيد محافظة على خاماتها الثمينة وحماية لها من تلاعب الناس فيها أو تهريبها إلى غير هذا من أنواع العبث، وقد يكون احتفاظها بالرصيد لمعنى اقتصادي جعل الدولة تحل الأوراق محل الذهب أو الفضة.