ومن هنا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدا، إلا أنه قد أخبر أن الأئمة من قريش، والخلافة فيهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: «الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة (١)».
ولسائل أن يسأل عن السر في تخصيص قريش بالخلافة والملك؟
والجواب عن هذا السؤال يظهر فيما قاله ابن خلدون في مقدمته: فإذا ثبت أن اشتراط القرشية إنما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب، وإن ذلك من الكفاية، ولذا اشترطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولي عصبية قوية غالبة على من معها لعصرها؛ ليستتبعوا من سواهم، وتجتمع الكلمة على حسن الحماية، ولا يعلم ذلك في الأقطار والآفاق كما كان في القرشية؛ إذ الدعوة الإسلامية التي كانت لهم كانت عامة، وعصبية العرب كانت وافية بها فغلبوا سائر الأمم، وإنما يخص لهذا العهد كل قطر بمن تكون له فيه العصبية الغالبة، وإذا نظرت سر الله في الخلافة لم تعد هذا؛ لأنه سبحانه وتعالى إنما جعل الخليفة نائبا عنه في القيام بأمر عباده،
(١) رواه الإمام أحمد. انظر: الفتح، الساعاتي، الباب الثاني مبايعته رضي الله عنه وذكر حديث السقيفة، ج٢٣، ط [القاهرة: دار الشهاب] ص ٦٢ حديث رقم ١٣٩. وقد أورده الألباني مع سلسلة الأحاديث الصحيحة ج ٣، ط [الرياض: مكتبة المعارف، الطبعة الثانية ١٤٠٧هـ، ص ١٤٦ رقم ١١٥٦.