للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقع عليه العقد لا بما شاء المشتري من الثمن، لأجل هذه المصلحة الجزئية. فكيف إذا اضطر إلى ما عنده من طعام وشراب ولباس وآلة حرب؟ وكذلك إذا اضطر الحاج إلى ما عند الناس من آلات السفر وغيرها. فعلى ولي الأمر أن يجبرهم على ذلك بثمن المثل، لا بما يريدونه من الثمن. وحديث العتق أصل في ذلك كله.

فصل: فإذا قدر أن قوما اضطروا إلى السكنى في بيت إنسان، لا يجدون سواه، أو النزول في خان مملوك أو استعارة ثياب يستدفئون بها، أو رحى للطحن، أو دلو لنزع الماء، أو قدر، أو فأس، أو غير ذلك: وجب على صاحبه بذله بلا نزاع.

لكن هل له أن يأخذ عليه أجرا؟ فيه قولان للعلماء. وهما وجهان لأصحاب أحمد. ومن جوز له أخذ الأجرة حرم عليه أن يطلب زيادة على أجرة المثل قال شيخنا: والصحيح أنه يجب عليه بذل ذلك مجانا، كما دل عليه الكتاب والسنة. قال تعالى {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (١) {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (٢) {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} (٣) {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (٤) قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة (وهو إعارة القدر والدلو والفأس ونحوها) وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- - وذكر الخيل- «قال هي لرجل أجر. ولرجل ستر. وعلى رجل وزر. فأما الذي هي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله. وأما الذي هي له ستر فرجل ربطها تغنيا وتعففا. ولم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها (٥)».

وفي الصحيحين عنه أيضا «من حق الإبل إعارة دلوها، وإطراق فحلها (٦)» وفي الصحيحين عنه أنه «نهى عن عسب الفحل (٧)» أي عن أخذ الأجرة عليه، والناس يحتاجون إليه. فأوجب بذله مجانا. ومنع من أخذ الأجرة عليه. وفي الصحيحين عنه أنه قال: «لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره (٨)».

ولو احتاج إلى إجراء مائه في أرض غيره، من غير ضرر لصاحب الأرض فهل يجبر على ذلك؟ روايتان عن أحمد والإجبار: قول عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة -رضي الله عنهم-.

وقد قال جماعة من الصحابة والتابعين (أن زكاة الحلي عاريته. فإذا لم يعره فلا بد من زكاته).

وهذا وجه في مذهب أحمد.

قلت: وهو الراجح، وأنه لا يخلو الحلى من زكاة أو عارية والمنافع التي يجب بذلها نوعان منها:


(١) سورة الماعون الآية ٤
(٢) سورة الماعون الآية ٥
(٣) سورة الماعون الآية ٦
(٤) سورة الماعون الآية ٧
(٥) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٩٦٢)، صحيح مسلم الزكاة (٩٨٧)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (١٦٣٦)، سنن النسائي الخيل (٣٥٦٣)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٧٨٨)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٦٢)، موطأ مالك كتاب الجهاد (٩٧٥).
(٦) صحيح مسلم الزكاة (٩٨٨)، سنن النسائي الزكاة (٢٤٥٤)، سنن الدارمي الزكاة (١٦١٦).
(٧) صحيح البخاري الإجارة (٢٢٨٤)، سنن الترمذي البيوع (١٢٧٣)، سنن النسائي البيوع (٤٦٧١)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٤).
(٨) سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣٣٦)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٤٨٠).