للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما هو حق المال، كما ذكرنا في الخيل، والإبل، والحلي. ومنها: ما يجب لحاجة الناس.

وأيضا: فإن بذل منافع البدن تجب عند الحاجة، كتعليم العلم، وإفتاء الناس، والحكم بينهم، وأداء الشهادة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من منافع الأبدان.

وكذلك من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة وجب عليه أن يخلصه. فإن ترك ذلك- مع قدرته عليه- أثم وضمنه. فلا يمتنع وجوب بذل منافع الأموال للمحتاج. وقد قال تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (١) وقال: {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} (٢).

وللفقهاء في أخذ الجعل على الشهادة أربعة أقوال: وهي أربعة أوجه في مذهب أحمد أحدها: أنه لا يجوز مطلقا. والثاني: أنه يجوز عند الحاجة.

والثالث: أنه لا يجوز إلا أن يتعين عليه. والرابع: أنه يجوز. فإن أخذه عند التحمل لم يأخذه عند الأداء. والمقصود: أن ما قدره النبي -صلى الله عليه وسلم- من الثمن في سراية العتق: هو لأجل تكميل الحرية وهو حق الله وما احتاج إليه الناس حاجة عامة فالحق فيه لله. وذلك في الحقوق والحدود. فأما الحقوق: فمثل حقوق المساجد، ومال الفيء، والوقف على أهل الحاجات، وأموال الصدقات، والمنافع العامة.

وأما الحدود: فمثل حد المحاربة، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر المسكر. وحاجة المسلمين إلى الطعام واللباس وغير ذلك: مصلحة عامة، ليس الحق فيها لواحد بعينه فتقدير الثمن فيها بثمن المثل على من وجب عليه البيع: أولى من تقديره لتكميل الحرية، لكن تكميل الحرية وجب على الشريك المعتق، ولو لم يقدر فيها الثمن لتضرر بطلب الشريك الآخر. فإنه يطلب ما شاء. وهنا عموم الناس يشترون الطعام والثياب لأنفسهم وغيرهم. فلو مكن من عنده سلع يحتاج الناس إليها أن يبيع بما شاء: كان ضرر الناس أعظم. ولهذا قال الفقهاء: إذا اضطر الإنسان إلى طعام الغير: وجب عليه بذله له بثمن المثل.

وأبعد الأئمة عن إيجاب المعاوضة وتقديرها: هو الشافعي. ومع هذا فإنه يوجب على من اضطر الإنسان إلى طعامه: أن يبذله له بثمن المثل. وتنازع أصحابه في جواز تسعير الطعام، إذا كان بالناس إليه حاجة ولهم فيه وجهان. وقال أصحاب أبي حنيفه: لا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس، إلا إذا تعلق به حق ضرر العامة فإذا رفع إلى القاضي: أمر المحتكر ببيع ما فضل من قوته وقوت أهله، على اعتبار السعر في ذلك، ونهاه عن الاحتكار. فإن أبى: حبسه وعزره على مقتضى رأيه، زجرا له، ودفعا للضرر عن الناس.


(١) سورة البقرة الآية ٢٨٢
(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٢