للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

داود والترمذي وصححه عن أنس قال: «غلا السعر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله لو سعرت فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة (١)». وهذا قول الشافعي وهو قول أصحاب الإمام أحمد كأبي حفص العكبري والقاضي أبي يعلي والشريف أبي جعفر وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم قال في الشرح الكبير: وليس للإمام أن يسعر على الناس بل يبيع الناس أموالهم على ما يختارون وهذا مذهب الشافعي وكان مالك يقول: يقال لمن يريد أن يبيع أقل مما يبيع الناس بع كما يبيع الناس وإلا فاخرج عنا احتج بما روى الشافعي وسعيد بن منصور عن داود بن صالح عن القاسم بن محمد عن عمر أنه مر بحاطب في سوق المعلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب فسأله عن سعرهما فسعر له مدين بكل درهم فقال له عمر قد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيبا وهم يعتبرون سعرك فإما أن ترفع في السعر وإما أن تدخل زبيبك فتبيعه كيف شئت لأن في ذلك إضرارا بالناس إذا زاد وإذا نقص أضر بأصحاب المتاع ولنا ما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه أنه «غلا السعر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا.

فقال إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم (٢)» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وعن أبي سعيد مثله. فوجه الدلالة من وجهين أحدهما إنه لم يسعر وقد سألوه ذلك ولو جاز لأجابهم إليه، الثاني أنه علل بكونه مظلمة والظلم حراما إلى آخر ما ذكره. وأجابوا عن منع عمر -رضي الله عنه- حاطب بن أبي بلتعة أن يبيع زبيبه بأقل من سعر السوق بأن في الأثر أن عمر لما رجع حاسب نفسه ثم أتى حاطبا في داره فقال إن الذي قلت لك ليس بمعرفة مني ولا قضاء وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع. وقالوا بعد ذلك في توجه المنع بأن الناس مسلطون على أموالهم فإجبارهم على بيع لا يجب أو منعهم مما يباح شرعا ظلم لهم والظلم حرام فالتسعير بمثابة الحجر عليهم والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكن الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٣).

وذهب بعضهم إلى جواز التسعير إذا كان للناس سعر غالب فأراد بعضهم أن يبيع بأغلى من ذلك أو بأنقص واحتجوا بما رواه مالك في موطئه عن يونس بن سيف عن سعيد بن المسيب


(١) سنن الترمذي البيوع (١٣١٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٥١)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٠٠)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٥٦)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٥).
(٢) سنن الترمذي البيوع (١٣١٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٥١)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٠٠)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٨٦)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٥).
(٣) سورة النساء الآية ٢٩