للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق فقال له عمر إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا. قال مالك: لو أن رجلا أراد فساد السوق فحط عن سعر الناس لرأيت أن يقال له إما لحقت بسعر الناس وإما رفعت. وإما أن يقول للناس كلهم يعني لا تبيعوا إلا بسعر كذا فليس ذلك بالصواب كما ذهب بعضهم إلى أن للإمام أن يحد لأهل السوق حدا لا يتجاوزونه مع قيامهم بالواجب روى أشهب عن مالك في صاحب السوق يسعر على الجزارين لحم الضأن بكذا ولحم الإبل بكذا وإلا أخرجوا من السوق قال إذا سعر عليهم قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس به ولكن لا يأمرهم أن يقوموا من السوق واحتجوا على جواز ذلك بأن فيه مصلحة للناس بالمنع من غلاء السعر عليهم ولا يجبر الناس على البيع وإنما يمنعون من البيع بغير السعر الذي حده ولي الأمر على حسب ما يرى من المصلحة فيه للبائع والمشتري. وردوا على المانعين منه مطلقا أن الاستدلال بقوله -صلى الله عليه وسلم- «إن الله هو المسعر القابض الباسط (١)» إلى آخره قضية معينة وليست لفظا عاما وليس فيها أن أحدا امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه بل جاء في حديث أنس التصريح بداعي طلب التسعير وهو ارتفاع السعر في ذلك وقد ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- منع من الزيادة على ثمن المثل في عتق الحصة من العبد المشترك فقال: «من أعتق شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط (٢)» فأعطى شركاءه حصتهم وعتق عليه العبد.

قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الطرق الحكمية فلم يكن المالك أن يساوم المعتق بالذي يريد فإنه لما وجب عليه أن يملك شريكه المعتق نصيبه الذي لم يعتقه لتكميل الحرية في العبد قدر عوضه بأن يقوم جميع العبد قيمة عدل ويعطيه قسطا من القيمة فإن حق الشريك في نصف القيمة لا في قيمة النصف عند الجمهور. وصار هذا الحديث أصلا في أن ما لا يمكن قسمة عينه فإنه يباع ويقسم ثمنه إذا طلب أحد الشركاء ذلك ويجبر الممتنع على البيع وحكى بعض المالكيين ذلك إجماعا. وصار ذلك أصلا في أن من وجبت عليه المعاوضة أجبر على أن يعاوض بثمن المثل لا بما يزيد عن الثمن. وصار أصلا في جواز إخراج الشيء عن ملك صاحبه قهرا بثمنه للمصلحة الراجحة كما في الشفعة وصار أصلا في وجوب تكميل العتق بالسراية مهما أمكن. والمقصود أنه إذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء عن ملك مالكه بعوض المثل لمصلحة تكميل العتق ولم يمكن المالك من المطالبة بالزيادة على القيمة فكيف إذا كانت الحاجة بالناس إلى التملك أعظم وهم إليها أضر مثل حاجة المضطر إلى الطعام والشراب واللباس وغيره وهذا الذي أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من تقويم الجميع قيمة المثل هو حقيقة التسعير. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في معرض كلامه على التسعير في الجزء الثامن والعشرين من فتاواه الكبرى والمقصود هنا أنه إذا كانت السنة قد مضت في مواضع بأن على المالك أن


(١) سنن الترمذي البيوع (١٣١٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٥١)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٠٠)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٨٦)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٥).
(٢) صحيح البخاري العتق (٢٥٢٢)، صحيح مسلم الأيمان (١٥٠١)، سنن الترمذي الأحكام (١٣٤٦)، سنن النسائي البيوع (٤٦٩٩)، سنن أبو داود العتق (٣٩٤٠)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٥٢٨)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١١)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥٠٤).