للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} (١) من الآية ٩٣ آل عمران ولم يقل أحد إن المراد بالطعام هنا البر أو الحب مطلقا إذ لم يحرم شيء منه على بني إسرائيل لا قبل التوراة ولا بعدها. فالطعام في الأصل كل ما يطعم، أي يذاق أو يؤكل قال تعالى في ماء النهر حكاية عن طالوت: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (٢) وقال: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} (٣) أي أكلتم وليس الحب مظنة التحليل والتحريم وإنما اللحم هو الذي يعرض له ذلك لوصف حسي كموت الحيوان حتف أنفه وما في معناه أو معنوي كالتقريب إلى غير الله عليه، ولذلك قال تعالى: {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} (٤)، وكله يتعلق بالحيوان، وهو نص في حصر التحريم فيما ذكر فتحريم ما عداه يحتاج إلى نص. وقد شدد الله فيما كان عليه مشركو العرب من أكل الميتة بأنواعها المتقدمة والذبح للأصنام لئلا يتساهل به المسلمون الأولون تبعا للعادة. وكان أهل الكتاب أبعد منهم عن أكل الميتة والذبح لغير الله، ولأنه كان من سياسة الدين التشديد في معاملة مشركي العرب حتى لا يبقى في الجزيرة منهم أحد إلا ويدخل في الإسلام. وخفف في معاملة أهل الكتاب استمالة لهم، حتى إن ابن جرير روى عن أبي الدرداء وابن زيد أنهما سئلا عما ذبحوه للكنائس فأفتيا بأكله قال ابن زيد: أحل الله طعامهم ولم يستثن منه شيئا، وأما أبو الدرداء فقد سئل عن كبش ذبح للكنيسة يقال لها جرجس أهدوه لها أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء للسائل: اللهم عفوا إنما هم أهل كتاب طعامهم حل لما وطعامنا حل لهم وأمره بأكله. وروى ابن جرير أيضا وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (٥) قال: ذبائحهم وروى مثله عبد بن حميد عن مجاهد وعبد الرزاق عن إبراهيم النخعي. وقد أجمع الصحابة والتابعون على هذا وأكل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الشاة التي أهدتها إليه اليهودية ووضعت له السم في ذراعها. وكان الصحابة يأكلون من طعام النصارى في الشام بغير نكير ولم ينقل عن أحد منهم خلاف إلا في بني تغلب وهو بطن من العرب انتسبوا إلى النصارى ولم يعرفوا من دينهم شيئا فنقل عن علي -كرم الله وجهه- أنه لم يجز أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم معللا بأنهم لم يأخذوا من النصارى إلا شرب الخمر، يعني أنهم على شركهم لم يصيروا أهل الكتاب، واكتفى جمهور الصحابة بانتمائهم إلى النصرانية. روى ابن جرير عن


(١) سورة آل عمران الآية ٩٣
(٢) سورة البقرة الآية ٢٤٩
(٣) سورة الأحزاب الآية ٥٣
(٤) سورة الأنعام الآية ١٤٥
(٥) سورة المائدة الآية ٥