للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو الذي ذكره أبو الحسن -رحمه الله- في شرح المدونة وصرح به ابن رشد في سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح ونصه: كره مالك -رحمه الله- ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم وأعيادهم لأنه رآه مضاهيا لقوله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (١) ولم يحرمه إذ لم ير الآية متناولة له وإنما رآها مضاهية له لأن الآية عنده إنما معناها فيما ذبحوا لآلهتهم مما لا يأكلون. قال وقد مضى هذا المعنى في سماع عبد الملك ا. هـ.

وقال في سماع عبد الملك عن أشهب وسألته عما ذبح للكنائس قال لا بأس بأكله. ابن رشد: كره مالك في المدونة أكل ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم، ووجه قول أشهب ما ذبحوا لكنائسهم لما يأكلونه وجب أن تكون حلالا لنا لأن الله -تبارك وتعالى- يقول: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (٢) وإنما تأول قول الله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (٣) فيما ذبحوه لآلهتهم مما يتقربون به إليها ولا يأكلونه، فهذا حرام علينا بدليل الآيتين جميعا أ. هـ.

فتبين أن ذبح أهل الكتاب إذا قصدوا به التقرب لآلهتهم فلا يؤكل لأنهم لا يأكلونه، فهو ليس طعامهم ولم يقصدوا بالذكاة إباحته، وهذا هو المراد هنا. وأما ما يأتي من الكراهة في ذبح الصليب فالمراد به ما ذبحوه لأنفسهم لكن سموا عليه اسم آلهتهم فهذا يؤكل بكره لأنه من طعامهم: هذا الغرض من كلام بناني وسلمة الرهوني بسكوته عنه فهذا شاهد لابن العربي قطعا لأنه علق جواز الأكل على كونه من طعامهم والمنع منه على ضد ذلك، وأيضا ليس كل ما يحرم في ذكاتنا يحرم أكله في ذكاتهم، كمتروك التذكية عمدا؛ فإنها لا تؤكل بذبيحتنا وتؤكل بذبيحتهم حسبما تقدم، فإذا المدار على كونها من طعامهم لا غير والله أعلم " أ. هـ المراد مما كتبه المفتي الوزاني.

وقد أطال علماء الأزهر في (إرشاد الأمة الإسلامية، إلى أقوال الأئمة في الفتوى الترنسفالية) القول في مذهب المالكية في طعام أهل الكتاب وفصلوه في بضع فصول، الفصل السابع منها في بيان أن ما أفتى به ابن العربي (أي من حل ما خنقه أهل الكتاب يقصد التذكية لأكله) هو مذهب المالكية قاطبة. والفصل الثامن في رد الرهوني برأيه عليه، والتاسع في تفنيد كلام الرهوني وبيان بطلانه، قالوا في أول الفصل السابع ما نصه:

"اعلم أنه أقر ابن العربي على ما أفتى به الوزاني وصاحب المعيار وأحمد بابا وابن عبد السلام وابن عرفه وغيرهم من محققي المالكية كالزياتي وقال: وكفى بهم حجة، وإن رده الرهوني بالأقيسة وما توهمه ابن عبد السلام من التناقض بين كلامي ابن العربي في أحكام القرآن من قوله: " ما أكلوه على غير


(١) سورة الأنعام الآية ١٤٥
(٢) سورة المائدة الآية ٥
(٣) سورة الأنعام الآية ١٤٥