للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استدلالا للقول الأول - قال: (فأرباب هذا القول عذرهم ظاهر كما ترى، ولكن ما عذرهم في حكمه وخبره الذي حكم به على نفسه، وأخبر عنها بقوله: «سقت الهدي وقرنت (١)»، (٢)، وخبر من هو تحت بطن ناقته وأقرب إليه حينئذ من غيره، فهو من أصدق الناس، يسمعه يقول: «لبيك بحجة وعمرة (٣)»، وخبر من هو من أعلم الناس عنه صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين يخبر أنه أهل بهما جميعا، ولبى بهما جميعا، وخبر زوجته حفصة في تقريره لها على أنه معتمر بعمرة لم يحل منها، فلم ينكر ذلك عليها بل صدقها، وأجابها بأنه مع ذلك حاج. وهو صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل يسمعه أصلا بل ينكره. وما عذرهم عن خبره صلى الله عليه وسلم عن نفسه بالوحي الذي جاءه من ربه يأمره فيه أن يهل بحجة في عمرة. . .، إلى أن قال: وليس مع من قال: إنه أفرد الحج، شيء من ذلك البتة، فلم يقل أحد منهم عنه إني أفردت، ولا أتاني من ربي آت يأمرني بالإفراد، ولا قال أحد: ما بال الناس حلوا ولم تحل من حجتك كما حلوا هم بعمرة، ولا قال أحد: سمعته يقول: لبيك بعمرة مفردة البتة، ولا بحج مفرد، ولا قال أحد: إنه اعتمر أربع عمر، الرابعة بعد حجته، وقد شهد عليه أربعة من الصحابة أنهم سمعوه يخبر عن نفسه بأنه قارن، ولا سبيل إلى دفع ذلك إلا بأن يقال: لم يسمعوه. ومعلوم قطعا أن تطرق الوهم والغلط إلى من أخبر عما فهمه هو من فعله يظنه كذلك أولى


(١) سنن النسائي مناسك الحج (٢٧٢٥)، سنن أبو داود المناسك (١٧٩٧).
(٢) هذه الأحاديث التي ساقها ابن القيم هنا سيأتي تخريجها عند الكلام على أدلة القول الثالث.
(٣) صحيح البخاري الحج (١٥٦٩)، صحيح مسلم الحج (١٢٢٣)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٧٢٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٣٦)، سنن الدارمي المناسك (١٩٢٣).