للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما أهل الكتاب فإن الله سبحانه أحل ذبائحهم بقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (١) والمراد ذبائحهم كم ذهب إليه ابن عباس وجمهور المفسرين، مع علمه تعالى بأنهم يهلون على ذبائحهم باسم المسيح، وأنهم لا يزالون يقولون ذلك.

فعلى هذا القول تحل ذبيحة الكتابي سواء سمى المسيح أو الصليب، ذبحها لعيد أو كنيسة؛ لأنه كتابي قد ذبح لدينه، وكانت هذه ذبائحهم قبل نزول القرآن وأحلها في كتابه أ. هـ. من العمدة للعيني، وأحكام القرآن للجصاص، والمغني لابن قدامة، والمحلى لابن حزم، وروح المعاني للألوسي المفسر وغيرهم.

وقد رجح مذهب الجمهور بأن حل ذبائح أهل الكتاب في آية المائدة مشروط بالإهلال عليه باسم الله وحده جمعا بين الآيتين، فإذا أهل باسمه تعالى حلت ذبيحته كالمسلم سواء، وإذا أهل بغيره تعالى حرمت كالمسلم سواء، وإذا لم يعلم هل سمى الله وحده أو سمى الله مع غيره أو سمى غير الله فقط حلت ذبيحته، ففي الألوسي قال الحسن: إذا ذبح اليهودي أو النصراني فذكر غير الله تعالى وأنت تسمع فلا تأكل فإذا غاب عنك فكل، فقد أحل الله ذلك أ. هـ أي بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (٢)

وفي صحيح البخاري عن الزهري قال: " لا بأس بذبيحة نصارى العرب وإن سمعته يسمى غير الله فلا تأكل، وإن لم تسمعه فقد أحله الله وعلم كفرهم" أهـ. رواه مالك في الموطأ مرفوعا. وعن النخعي: إذا توارى عنك فكل. وعن حماد: كل ما لم تسمعه أهل به لغير الله.

وفي البدائع للكاساني من أئمة الحنفية: وتؤكل ذبيحة الكتابي؛ لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (٣) والمراد ذبائحهم وإنما تؤكل ذبيحته إذا لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شيء، أو سمع وشهد تسمية الله تعالى وحده؛ لأنه إذا لم يسمع منه شيء يحمل على أنه سمى الله تعالى وجرد التسمية تحسينا للظن به كما بالمسلم، فأما إذا سمع منه أنه سمى المسيح وحده أو مع الله فإنه لا تؤكل ذبيحته لقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (٤) أ. هـ. ملخصا.


(١) سورة المائدة الآية ٥
(٢) سورة المائدة الآية ٥
(٣) سورة المائدة الآية ٥
(٤) سورة البقرة الآية ١٧٣