للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحسن والثوري مثله. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يؤكل ما سمي المسيح عليه. وقال الشافعي وأحمد: لا يحل ما ذبح لغير الله، ولا ما ذبح للأصنام أ. هـ.

وقد سمى الله ذلك (فسقا) أي خروجا من الحلال إلى الحرام، قال الله تعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (١)

وكما حرم الله ما أهل به لغير الله، حرم ما لم يذكر اسم الله عليه وجعل ذكر اسمه تعالى وحده على الذبيحة شرطا في حل أكلها، سواء كان الذابح مسلما أو كتابيا، وإليه ذهب الحنفية وأحمد والثوري والحسن بن صالح لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (٢) فنهي عن الأكل من متروك التسمية وعن تركها، وأخبر بأنه فسق، وهو ظاهر في حالة ترك التسمية عمدا لا سهوا؛ لأن الناس لا تلحقه سمة الفسق كما ذكره الجصاص وغيره.

وذهب داود والشعبي وهو مروي عن مالك وأبي ثور إلى أن التسمية شرط مطلق؛ لعدم فصل الأدلة بين حالتي العمد والسهو، وإليه ذهب ابن حزم في المحلى.

وذهب ابن عباس وأبو هريرة وطاوس والشافعي وهو مروي أيضا عن مالك وأحمد إلى أن التسمية ليست شرطا لحل الأكل بل هي سنة. فمن تركها عمدا أو سهوا لم يقدح ذلك في حل أكل ذبيحته لحديث عائشة: «أن قوما قالوا يا رسول الله: إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوا وكانوا حديثي عهد بكفر (٣)». - رواه البخاري والنسائي وابن ماجه -كما في المنتقى، وذلك لأن التسمية على الأكل سنة، فلو كانت التسمية على الذبيحة فرضا لم تنب السنة عن الفرض؛ لأن السنة لا تنوب عن الفرض كما في الشوكاني.

ولعل حكمة تحريم ما أهل به لغير الله، وما لم يذكر اسم الله عليه أن الحيوان مملوك لله تعالى كسائر المخلوقات. وليس للعبد أن يتصرف في ملك سيده بغير إذنه وإباحته. وإذ قد أذن الله تعالى للإنسان أن يقتات ببعض الحيوان، أوجب عليه إذا أراد الانتفاع به على الوجه الأكمل أن يذكيه؛ ليكون له منه قوت طيب خالص من شوائب القذر والدنس، وتلك نعمة يجب عليه أن يشكر المنعم المتفضل بها، وهو إنما يكون بتمجيد الله تعالى وذكر اسمه وحده عند الذبح، والإعلام بأنه إنما أقدم عليه بإذن الله وإباحته.

وروى عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء وأبي أمامة الترخيص في ذبائح أهل الكتاب إذا ذكروا عليها اسم غير الله. وإليه ذهب عطاء والشعبي والليث وفقهاء الشام؛ الأوزاعي ومكحول وسعيد بن عبد العزيز، وقالوا: إن التحريم في قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (٤) مقصور على ذبائح عبدة الأوثان الذين يهلون عند الذبح بأوثانهم، كما كان يفعله العرب.


(١) سورة الأنعام الآية ١٤٥
(٢) سورة الأنعام الآية ١٢١
(٣) صحيح البخاري الذبائح والصيد (٥٥٠٧)، سنن النسائي الضحايا (٤٤٣٦)، سنن أبو داود الضحايا (٢٨٢٩)، سنن ابن ماجه الذبائح (٣١٧٤)، موطأ مالك الذبائح (١٠٥٤)، سنن الدارمي الأضاحي (١٩٧٦).
(٤) سورة البقرة الآية ١٧٣