للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكوه؛ لأن التذكية المبيحة لأكل ما ذكى لا بد أن تكون من مسلم أو كتابي عاقل له قصد وإرادة. وغير هؤلاء لا يباح تذكيتهم أما إذا جهل الأمر في تلك اللحوم ولم يعلم عن حالة أهل البلد التي وردت منها تلك اللحوم، هل يذبحون بالطريقة الشرعية أم بغيرها؟ ولم يعلم حالة المذكين وجهل الأمر فلا شك في تحريم ما يرد من تلك البلاد المجهول أمر عادتهم في الذبح تغليبا لجانب الحظر وهو أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر فيغلب جانب الحظر سواء أكان في الذبائح أو الصيد ومثله النكاح كما قرره أهل العلم- منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب وغيرهم من الحنابلة وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني والإمام النووي وغيرهم كثير- مستدلين بما في الصحيحين وغيرهما من حديث عدي بن حاتم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل. فإن وجدت معه كلبا آخر فلا تأكل (١)».

فالحديث يدل على أنه إذا وجد مع كلبه المعلم كلبا آخر أنه لا يأكله تغليبا لجانب الحظر.

فقد اجتمع في هذا الصيد مبيح وهو إرسال الكلب المعلم وغير مبيح وهو اشتراك الكلب الآخر.

لهذا منع الرسول صلى الله عليه وسلم من أكله وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبته بسهمك فوقع في الماء فلا تأكل (٢)». متفق عليه. وفي رواية عند الترمذي: «إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل (٣)». وقال: حسن صحيح عن عدي بن حاتم.

قال ابن حجر في الصيد: إن الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم الرامي أعم من أن يكون أثر سهم رام آخر أو غير ذلك من الأسباب القاتلة فلا يحل أكله مع التردد. وقال أيضا عند قوله: «وإن وقع في الماء فلا تأكل (٤)» لأنه حينئذ يقع التردد هل قتله السهم أو الغرق في الماء. فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم فهذا يحل أكله، قال النووي في شرح مسلم: إذا وجد الصيد في الماء غريقا حرم بالاتفاق- أ. هـ. وقد صرح الرافعي بأن محله ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح فإن انتهى إليها بقطع الحلقوم مثلا فقد تمت ذكاته. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: «فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك (٥)». فدل على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله أنه يحل- انتهى ملخصا من فتح الباري.

وقال الخطابي: إنما نهاه عن أكله إذا وجده في الماء لإمكان أن يكون الماء قد غرقه فيكون هلاكه من الماء لا من قبل الكلب الذي هو آلة الذكاة. وكذلك إذا وجد فيه أثرا لغير سهمه.

والأصل أن الرخص تراعى شرائطها التي بها وقعت الإباحة فمهما أخل بشيء منها عاد الأمر إلى التحريم الأصلي أ. هـ.


(١) صحيح البخاري الوضوء (١٧٥)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (١٩٢٩)، سنن الترمذي الصيد (١٤٧٠)، سنن النسائي الصيد والذبائح (٤٢٦٣)، سنن أبو داود الصيد (٢٨٤٧)، سنن ابن ماجه الصيد (٣٢٠٨)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٥٦)، سنن الدارمي الصيد (٢٠٠٢).
(٢) صحيح البخاري كتاب الذبائح والصيد (٥٤٨٥)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (١٩٢٩)، سنن الترمذي الصيد (١٤٦٩)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٧٨).
(٣) سنن الترمذي الصيد (١٤٦٨).
(٤) صحيح البخاري كتاب الذبائح والصيد (٥٤٨٥)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (١٩٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٧٨).
(٥) صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (١٩٢٩)، سنن الترمذي الصيد (١٤٦٩).