للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الحديث فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (١)

القسم الثالث: أن لا يعلم هل هي من ذبائح أهل الكتاب أو غيرهم فالقواعد الشرعية تقضي بالتحريم فإن القاعدة الشرعية أنه إذا اشتبه مباح بمحرم حرم أحدهما بالأصالة والآخر بالاشتباه والقاعدة الأخرى إذا اجتمع مبيح وحاظر قدم الحاظر لأنه أحوط وأبعد من الشبهة والأدلة دلت على البعد عن مواضع الشبهة كما في الحديث: «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعرفهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه (٢)».

وفي حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (٣)» رواه النسائي والترمذي وصححه ومما استدلوا به على التحريم في موضع الاشتباه حديث عدي رضي الله عنه «وإذا أرسلت كلبك المعلم فوجدت معه كلبا آخر فلا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره (٤)» وفي رواية «إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله فإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله (٥)». متفق عليه.

أما هذه اللحوم فإنها وإن كانت تستورد من بلاد تدعي أنها كتابية فإنها حرام وميتة ونجسة فلا يجوز بيعها ولا شراؤها وتحرم قيمتها كما في الحديث «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (٦)» وذلك لوجوه عديدة: أولا: أن هذه الدول في الوقت الحاضر قد نبذت الأديان وخرجت عليها وكون الشخص يهوديا أو نصرانيا هو بتمسكه بأحكام ذلك الدين أما إذا تركه ونبذه وراء ظهره فلا يعد كتابيا والانتساب فقط دون العمل لا ينفع. كما أن المسلم مسلم بتمسكه بدين الإسلام فإذا تركه فليس بمسلم ولو كان أبواه مسلمين فإن مجرد الانتساب لا يفيد. وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في نصارى بني تغلب إنهم لم يأخذوا من دين النصرانية سوى شرب الخمر.

قال الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله بعد كلام: وكون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم يستفيد بنفسه لا بنسبه فكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل وسواء كان دخوله بعد النسخ والتبديل أو قبل ذلك وهو المنصوص الصريح عن أحمد وكان بين أصحابه خلاف وهو الثابت عن الصحابة بلا نزاع بينهم وذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم.

الثاني: أن ذبائح المذكورين الآن إما موقوذة أو مختنقة والمختنقة التي تخنق فتموت والموقوذة التي تضرب فتموت.

وقد قال الله سبحانه وتعالى


(١) سورة المائدة الآية ٥
(٢) صحيح البخاري الإيمان (٥٢)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٩)، سنن الترمذي البيوع (١٢٠٥)، سنن النسائي البيوع (٤٤٥٣)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٢٩)، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٨٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٧٠)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٣١).
(٣) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٨)، سنن النسائي الأشربة (٥٧١١)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٠٠)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٣٢).
(٤) صحيح البخاري الذبائح والصيد (٥٤٨٦)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (١٩٢٩)، سنن الترمذي الصيد (١٤٧٠)، سنن النسائي الصيد والذبائح (٤٢٧٢)، سنن أبو داود الصيد (٢٨٤٧)، سنن ابن ماجه الصيد (٣٢٠٨)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٥٧)، سنن الدارمي الصيد (٢٠٠٢).
(٥) صحيح البخاري الوضوء (١٧٥)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (١٩٢٩)، سنن الترمذي الصيد (١٤٧٠)، سنن النسائي الصيد والذبائح (٤٢٦٣)، سنن أبو داود الصيد (٢٨٤٧)، سنن ابن ماجه الصيد (٣٢٠٨)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٧٧)، سنن الدارمي الصيد (٢٠٠٢).
(٦) سنن أبو داود البيوع (٣٤٨٨)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٤٧).