للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية بعد كلام في الجمع بين قوله {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (١) وقوله {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (٢) قال والأشبه بالكتاب والسنة ما دل عليه كلام أحمد من الحظر وإن كان من متأخري أصحابنا من لا يذكر هذه الرواية بحال وذلك لأن قوله {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (٣) {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} (٤) عموم محفوظ لم تخص منه صورة بخلاف طعام الذين أوتوا الكتاب فانه يشترط له الذكاة المبيحة فلو ذكى الكتابي في غير المحل المشروع لم تبح ذكاته ولأن غاية الكتابي أن تكون ذكاته كالمسلم والمسلم لو ذبح لغير الله وذبح باسم غير الله لم يبح وإن كان يكفر بذلك فكذلك الذمي لأن قوله {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} (٥) سواء وهم وإن كانوا يستحلون هذا ونحن لا نستحله فليس كل ما استحلوه يحل لنا ولأنه قد تعارض دليلان حاظر ومبيح فالحاظر أولى أن يقدم ولأن الذبح لغير الله أو باسم غيره قد علمنا يقينا أنه ليس من دين الأنبياء عليهم السلام فهو من الشرك الذي أحدثوه فالمعنى الذي لأجله حلت ذبائحهم منتف في هذا والله أعلم أ. هـ.

وأما حكم متروك التسمية فقط عمدا أو سهوا فهذه المسألة الخلاف فيها شهير والحكم ولله الحمد واضح.

الرابع: أن موضع الذبح الاختياري معروف وهو في الحلق واللبة ولا يجوز في غير ذلك إجماعا وروى سعيد والأثرم عن أبي هريرة قال «بعث النبي صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقا يصيح في فجاج مكة ألا إن الذكاة في الحلق واللبة» رواه الدارقطني بإسناد جيد وروي عن أبي هريرة قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج (٦)» رواه أبو داود. وروى سعيد في سننه عن ابن عباس رضي الله عنه قال إذا أهريق الدم وقطع الودج فكل إسناده حسن والودجان عرقان بالحلقوم.

وهذا معدوم في ذبائح المذكورين كما ذكرناه سابقا فلا تحل قال في مغني ذوى الأفهام: الثالث أن يقطع الحلقوم والمريء بالآلة فإن خنقها أو عصر رأسها بيده أو ضربها بحجر أو عصا على محل الذبح لم يحل أكلها.

الخامس: لو فرضنا أنه يوجد في تلك البلدان من يذبح ذبحا شرعيا ويوجد من يذبح ذبحا آخر كالخنق والوقذ فلا تحل للاشتباه كما هي قاعدة الشرع المعروفة ولحديث عدي المتقدم قال ابن رجب بعد كلام: وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا تحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد فإن تردد في شيء من ذلك لسبب آخر رجع إلى الأصل فبنى عليه فما أصله الحرمة بني على التحريم ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائد أثر سهم أو كلب غير كلبه هـ.


(١) سورة البقرة الآية ١٧٣
(٢) سورة المائدة الآية ٥
(٣) سورة البقرة الآية ١٧٣
(٤) سورة المائدة الآية ٣
(٥) سورة المائدة الآية ٥
(٦) سنن أبو داود الضحايا (٢٨٢٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٨٩).