للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأمته وحرم عليه كتمانه؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (١) وقال: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (٢) فكيف يحل له أن يكتم بيان القرآن الذي هو معجزته وشرفه وشرف أمته، به تثبت الأحكام ويعرف الحلال والحرام، حتى تعتقد أمته أن القرآن غيره فيضلوا بذلك الاعتقاد ويصيروا حشوية مجسمة كما تعتقده خصومنا فينا، مع أمر الله تعالى بالتبليغ، وتوعده على تركه، ومع شفقته على أمته وحرصه عليهم، فعلى هذا لا يكون النبي عليه السلام مبلغا لرسالة ربه ولا ناصحا لأمته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته في حجة الوداع: «ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، فرفع إصبعه إلى السماء وقال: اللهم اشهد (٣)»، فعلى قول هذه الطائفة يكون النبي صلى الله عليه وسلم كاذبا في دعوى التبليغ، ومن شهد له بالتبليغ كاذبا، وهذا لا يقوله مسلم ولا يعتقده، ثم إن ساغ له كتمان ذلك فكيف ساغ له أن يتلو عليهم الآيات الدالة على أن هذا هو القرآن، ويقول لهم من أخباره ما يدل عليه، وهو ضلال في زعمهم فيكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الداعي إلى الضلال، المغوي لهم عن الصراط المستقيم، الهادي لهم إلى طريق الجحيم بما تلاه عليهم من الآيات، وأخبرهم به من البينات؟


(١) سورة المائدة الآية ٦٧
(٢) سورة الحجر الآية ٩٤
(٣) أخرجه البخاري (١٧٤٢) كتاب الحج، ومسلم (٢/ ١٢١٨ / ٨٨٦) وغيرهما.