للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيء وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحكامه وملاك الأمر خواتمه وكل الصحابة مجمعون على تحريمها كالزنا سوى ما نسب عن ابن عباس للمضطر وقد تحامل عليه الإمام رضي الله عنه باللوم والتعنيف وقال لهم إنك امرؤ تائه فرجع ابن عباس عن فتواه والصحابة كغيرهم يخطئ أحدهم في فتواه ويصيب.

ثم رأينا صاحب المقالة يحتج بصحة ما قاله بأنه قول العلامة ابن القيم في زاد المعاد وهو كذب منه فإن العلامة يجزم بتحريمها.

لكنه في بحثه في فتح مكة طرق موضوع تحريم متعة النساء فقال من العلماء من قال إنها حرمت يوم خيبر وعليه يدل أحاديث علي في البخاري.

ومنهم من قال إنها حرمت عام فتح مكة ورجع هذا القول لما روى مسلم عن سلمة بن الأكوع «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء عام أوطاس (١)» أي يوم حنين وهو عام فتح مكة.

ثم طرق موضوع الخلاف وهل تحريمها كتحريم الميتة ولحم الخنزير أو هو تحريم مؤبد في الحضر والسفر وهذا هو الصحيح لحديث ربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة (٢)»، ثم قال العلامة ابن القيم: إن رسول الله رخص فيها أي في ذلك الزمان للضرورة والحاجة في الغزو فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء وإمكان النكاح الشرعي المعتاد فقد اعتدى والله لا يحب المعتدين.

وبه يعلم أن النصوص الصريحة ترد على من ادعى أن بدء تحريم متعة النساء وقع من عمر اجتهادا منه واستجاب الصحابة له من أجل هيبته وهذا كله من الكذب على الله ورسوله وعلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ولم نر لهذا القول سندا صحيحا ولا حسنا بل هو نوع من الكذب المفترى على عمر لكون الشيعة يبغضون عمر أشد البغض ولهذا شددوا في الإنكار على من يقول بتحريم المتعة مع ظواهر النصوص الصريحة المؤيدة للتحريم ومع الإجماع العام ولا عبرة بشذوذ المخالفين أما نهي عمر عن متعة الحج فإن له أصلا من الصحة في الصحاح وهو رأي رآه. والرأي يخطئ ويصيب وليس الصحابي بمعصوم فقد رأى أن يفرد الحج بسفرة وتفرد العمرة بسفرة فخالفه الصحابة على ذلك «وأن رسول الله تمتع بالعمرة إلى الحج في حجة الوداع ولم ينسخها شيء وبقي العمل بها إلى الآن (٣)» وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة متمتعا بها إلى الحج. فإذا طاف طواف العمرة وسعى سعي العمرة قصر من شعره ثم يلبس ثيابه ويتمتع بما هو مباح له من الطيب والنساء وغير ذلك من المحظورات كحالته قبل الإحرام وإذا كان يوم الثامن يحرم بالحج فهذه هي التي قال فيها ابن عباس حين نهى عمر عن التمتع فقال يوشك أن تنزل


(١) مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٥٥).
(٢) صحيح مسلم النكاح (١٤٠٦)، سنن النسائي النكاح (٣٣٦٨)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٦٢)، سنن الدارمي النكاح (٢١٩٥).
(٣) صحيح البخاري الحج (١٦٩٢)، صحيح مسلم الحج (١٢٢٧)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (٢٧٣٢)، سنن أبو داود كتاب المناسك (١٨٠٥).