للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجد فلما أنزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت. وأما احتجاج الشيعة بما روى مسلم عن جابر بن عبد الله «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنها عمر (١)» فدعوى إسناد إنشاء التحريم من عمر هو باطل قطعا فما كان نهي عمر إلا بمثابة التبليغ والتنفيذ لحكم رسول الله في تحريمها إذ هو من واجبه والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «فليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع (٢)».

ثم قوله «كنا نتمتع على عهد رسول الله وأبي بكر (٣)» فإن هذا مخالف للأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري ومسلم عن علي وعن سلمة بن الأكوع وعن ابن عمر ولا يبعد أن يكون حديث جابر مكذوبا عليه أو أنه دخل فيه شيء من زيادة بعض الرواة والصحيح هو ما رواه مسلم عن ربيع بن صبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني كنت أذنت لكم الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده شيء منها فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا (٤)» فهذا الحديث فيه ذكر الناسخ والمنسوخ وكون التحريم صدر عن رسول الله عن الله ولم يقع لعمر ابتداء إلا على سبيل التبليغ والتنفيذ عن الله ومثله الحديث الذي احتج به صاحب المقالة عن ابن مسعود وهو في الصحيحين «عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء فقلنا يا رسول الله ألا نختصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ ابن مسعود (٦)».

إن من عادة صاحب المقالة أن يحتج بالمنسوخ الذي زال حكمه وبطل العمل به ويترك الناسخ المحكم الذي يجب العمل به والحكم بموجبه.

ونحن لا ننكر إباحة متعة النساء في أول الإسلام على حسب حالتهم في الجاهلية وكونهم يستأجرون المرأة في أسفارهم الطويلة بالثوب وبالقبضة من التمر وبالقبضة من الدقيق فابن مسعود وجابر على فرض صحة حديثيهما يتحدثان عن حالتيهما في الجاهلية قبل تحريمها كما يتحدث الصحابة عن شربهم الخمر قبل أن تحرم عليهم وكما يتحدثون عن صلاتهم إلى المشرق قبل أن يحولوا إلى جهة الكعبة وكما يتحدثون عن كون أحدهم يكلم صاحبه لحاجته وهو في صلاته زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (٧) أي ساكتين. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث من أمره أن لا تتكلموا في الصلاة (٨)» لكون أحكام الشرائع من الفرائض والمحرمات تنزل شيئا بعد


(١) صحيح مسلم النكاح (١٤٠٥).
(٢) صحيح البخاري الحج (١٧٤١)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٩)، سنن ابن ماجه المقدمة (٢٣٣)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٤٩)، سنن الدارمي المناسك (١٩١٦).
(٣) صحيح مسلم الحج (١٢١٧)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٠٤).
(٤) صحيح مسلم النكاح (١٤٠٦)، سنن النسائي النكاح (٣٣٦٨)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٦٢)، سنن الدارمي النكاح (٢١٩٥).
(٥) صحيح البخاري النكاح (٥٠٧٦)، صحيح مسلم النكاح (١٤٠٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٢٠).
(٦) سورة المائدة الآية ٨٧ (٥) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
(٧) سورة البقرة الآية ٢٣٨
(٨) صحيح البخاري المناقب (٣٨٧٥)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٨)، سنن النسائي السهو (١٢٢١)، سنن أبو داود الصلاة (٩٢٤)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠١٩)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤١٥).