للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أنزل الله بعدها {لا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (١). ومتى كان الشيء إثمه أكبر من نفعه وجب اجتنابه ثم أنزل الله قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٢). .

وهذه من سورة المائدة التي هي من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها وهذا تحريم مؤبد ويكفر مستحله حتى إن الصحابة ندموا على من قتل شهيدا وهي في بطنه فأنزل الله {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (٣). لكون الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها لقوله سبحانه {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (٤). ومثله صلاة الصحابة إلى جهة بيت المقدس وهي قبلة اليهود والنصارى حتى أنزل الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (٥). وأتى رجل إلى بني عبد الأشهل وهم يصلون الفجر مستقبلين بيت المقدس فقال أشهد بالله لقد أنزل الله على رسوله قرآنا وأمر أن يستقبل القبلة فاستداروا وهم في صلاتهم إلى جهة القبلة.

إن الله سبحانه لا يحرم شيئا من المحرمات كالخمر والميسر ومتعة النساء إلا ومضرته واضحة ومفسدته راجحة ولهذا أوجب العلماء إقامة الحد على من يستحل متعة النساء لإجماع الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين على تحريمها إلى يوم القيامة ولا عبرة بشذوذ الشيعة في هذا وما نسبوه إلى أحد الصحابة كأبي وابن مسعود من أنهما فعلا المتعة زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه على فرض صحته محمول على فعله قبل تحريمه. وإلا فحاشا وكلا أن يستبيح فعلها بعد تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها وانعقاد إجماع الصحابة على تحريمها بالنصوص الصحيحة الصريحة. ومثله ما نسبوه عن علي من قوله لولا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلا شقي فإن هذا من الكذب المفترى صريحا على علي وعلى عمر بشهادة علي ذلك فإن له في البخاري حديثين فيهما «أن رسول الله حرم المتعة والحمر الأهلية عام خيبر (٦)» ولم يحرمها عمر من تلقاء نفسه كما يقول (أعداؤه) فقد أخرج البيهقي عن طريق عبد الله بن لهيعة عن موسى بن أيوب عن إياس بن عامر عن علي رضي الله عنه قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة» قال وإنما كانت لمن لم


(١) سورة النساء الآية ٤٣
(٢) سورة المائدة الآية ٩٠
(٣) سورة المائدة الآية ٩٣
(٤) سورة الإسراء الآية ١٥
(٥) سورة البقرة الآية ١٤٤
(٦) صحيح البخاري الذبائح والصيد (٥٥٢٣)، صحيح مسلم النكاح (١٤٠٧)، سنن الترمذي النكاح (١١٢١)، سنن النسائي النكاح (٣٣٦٥)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٦١)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٤٢)، سنن الدارمي النكاح (٢١٩٧).