للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يقل ومن لم يستطع منكم طولا أي صداقا والطول هو الغنى بالصداق فليتمتع بامرأة بأجر معلوم إلى أجل مسمى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (١) فلو كان حلالا لما سكت عنه القرآن ولو كانت المتعة تباح بحال لأبيحت لهذا المضطر الذي لم يجد صداقا للمحصنات ولكون المقام مقام ضرورة والمقال جرى على حالة المخرج من هذه الضرورة فأباح الله له أن ينكح الجارية المملوكة مع علمه باسترقاق أولاده فيها تبعا لأمهم أما إذا كان غنيا يجد صداق الحرة المحصنة فإنه لا يجوز له أن ينكح أمة مملوكة لكونه يذل نفسه باسترقاق أولاده، إلا إذا كانت ملكا له وقد نزلت هذه الآية في زمان كان الأرقاء فيه كثيرين فنكاح الأمة في مثل حالة هذا المقل هو نكاح شرعي يترتب عليه لوازم النكاح الشرعي فحصرت هذه الآية النكاح في أربعة أمور اثنان حلالان واثنان حرامان فإن الحلال هو نكاح الرغبة الشرعي الدائم ومنه زواج الفقير بالمرأة المملوكة.

والثاني النكاح بملك اليمين.

وأما النكاح الحرام فمنه نكاح المسافحات اللاتي يزني بهن كل أحد.

والثاني المتخذات أخدان أي التي تزني مع خليل واحد لا يشاركه فيها أحد وقد جعل العلماء نكاح المتعة من قبيل المتخذات أخدان- وهذه الآية تشبه قوله سبحانه {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (٢) {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (٣). والمستأجرة يوما أو أسبوعا في سبيل نكاح المتعة لا تسمى زوجة لا لغة ولا عرفا ولا ينطبق عليها أحكام الزوجة الشرعية من الولي والإشهاد والنفقة والطلاق والميراث.

ويدل لهذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (٤)» أي يكسر من حدة شهوتهم، ولم يقل: ومن لم يستطع فليتمتع بامرأة بأجر معلوم إلى أجل مسمى، فلو كان جائزا لوجب بيانه، ولما ساغ كتمانه لكونه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه؛ إذ الأمر بنكاح المتعة أيسر من الصوم الذي لا يطيقه أكثر الناس، وخاصة الشباب مما يدل على عدم إباحة المتعة.

ومثله إباحة نكاح الفقير للأمة المملوكة فإن هذه الأمة لا توجد في كل زمان ومكان وخاصة في هذا الزمان الذي تم فيه إبطال الرق العام وصار الناس كلهم أحرارا.

ومما ينبغي أن يعلم أن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيه لا يحرم شيئا من المحرمات كالربا والزنا وشرب الخمر ونكاح المتعة إلا ومضرته واضحة ومفسدته راجحة.


(١) سورة مريم الآية ٦٤
(٢) سورة المؤمنون الآية ٥
(٣) سورة المؤمنون الآية ٦
(٤) صحيح البخاري النكاح (٥٠٦٥)، صحيح مسلم النكاح (١٤٠٠)، سنن الترمذي النكاح (١٠٨١)، سنن النسائي النكاح (٣٢١١)، سنن أبو داود النكاح (٢٠٤٦)، سنن ابن ماجه النكاح (١٨٤٥)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٧٨)، سنن الدارمي النكاح (٢١٦٥).