للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكاد يخالفه في شيء من مذهبه، ويرجع من قوله إلى قوله (١).

ونحن تجاه ذلك لا بد لنا من أن نقف وقفة نبين فيها موقع ابن مسعود من عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وموقع فقهه من فقهه من خلال استقرائنا لفقه كل من عمر بن الخطاب الذي بسطناه في كتابنا " موسوعة فقه عمر بن الخطاب " وفقه عبد الله بن مسعود الذي بسطناه في كتابنا هذا " موسوعة فقه عبد الله بن مسعود " نجد كثرة التوافق بين عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، ونحن لسنا مع الذين يردون هذا التوافق إلى تقليد ابن مسعود لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، بل إن هذا التوافق - في رأينا- يعود إلى أسباب عديدة.

أ - فهناك كثير من المسائل اتفق اجتهاد عبد الله بن مسعود مع اجتهاد عمر بن الخطاب فيها، وهذه المسائل هي أغلب ما اتفقا عليه.

ومن الطبيعي أن يتفقا طالما أن كلا منهما يعتمد على نفس المصادر التشريعية التي يعتمد عليها الآخر: ويتبع نفس منهج البحث الذي يتبعه الآخر، ويسلك نفس المدرسة الاجتهادية التي يتبعها الآخر، وهي فهم نصوص الشريعة من خلال مقاصدها دون الجمود على ألفاظها.

ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: ما رواه القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: أتى ابن مسعود برجل من قريش وجد مع امرأة في ملحفتها ولم تقم البينة على غير ذلك، فضربه عبد الله بن مسعود أربعين سوطا وأقامه الناس، فانطلق قومه إلى عمر بن الخطاب فقالوا له: فضح ابن مسعود رجلا منا؟ فقال عمر لعبد الله: بلغني أنك ضربت رجلا من قريش، قال: أجل، أتيت به وقد وجد مع امرأة في ملحفتها ولم تقم البينة على غير ذلك، فضربته أربعين وعرفته للناس. فقال عمر: أرأيت ذلك؟ قال ابن مسعود: نعم. قال عمر: نعم ما رأيت.

وما رواه ابن حزم وغيره أنه رفع إلى عمر رجل قتل رجلا متعمدا فجاء أولياء المقتول وقد عفا أحدهم، فقال عمر لابن مسعود. ما تقول؟ قال: كانت النفس لهم جميعا، فلما عفا هذا أحيا النفس. فلا يستطيع أحد أن يأخذ حقه حتى يأخذ غيره، قال عمر: فما ترى؟ قال: تجعل الدية في ماله، وترفع حصة الذي عفا، فقال عمر: وأنا أرى ذلك (٢).

ومثل هذا كثير.

وهناك مسائل قصر عنها علم ابن مسعود، أو اجتهد فيها فلم يترجح لديه مذهب: فهو


(١) إعلام الموقعين ١/ ٢٠.
(٢) المحلى ١٠/ ٤٧٨ وكشف الغمة عن الأئمة ٢/ ١٢٣.