للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما انتقل ابن مسعود إلى العراق بأمر من عمر بن الخطاب لمواجهة المد الحضاري فيها، ولحل المشكلات الجديدة الناشئة في تلك البلاد، كان ابن مسعود العالم المتقدم، فالتف حوله الناس ينهلون من معينه. واصطفاه لأنفسهم جلة أهل العراق ومفكريهم ومقدميهم. وألفهم ابن مسعود كما ألفوه، ورأى فيهم نفسه وامتداد شخصيته، فوجد بينهم سعادته، ومنحهم حبه، فكان يقول لهم: " أنتم أخلاء قلبي" (١)، ولم يكن يبخل عليهم بعلم ولا بتوجيه ففقه على يديه جماعة كان من أبرزهم أصحابه الستة المشهورون " علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، وعبيدة السلماني، ومسروق بن الأجدع، وعمرو بن شرحبيل الهمداني، والحارث بن قيس الجعفي (٢).

وفاق تلاميذ ابن مسعود غيرهم ممن تتلمذوا على أيدي غيره من الصحابة حتى قال الشعبي: " لم يكن أحد من أصحاب رسول الله أفقه أصحابا من عبد الله بن مسعود (٣).

وحفظ هؤلاء الأصحاب فتاوى ابن مسعود وعلمه، وفهموا مراميها وأهدافها، وحرروها، حتى قال الإمام محمد بن جرير الطبري: " لم يكن أحد له أصحاب معروفون حرروا فتياه ومذهبه في الفقه غير ابن مسعود (٤) وكان أحفظ هؤلاء الأصحاب لفقه ابن مسعود وأكثرهم تأسيا به هو علقمة بن قيس النخعي، لأنه كان أكثرهم ملازمة له، حتى إنه كان يبيت في بيت ابن مسعود فيسمع منه ويخدمه، والذي أعانه على ذلك خفة حمله، فقد كان لا عقب له.

وكان أشهر من حمل علم ابن مسعود عن هؤلاء الأصحاب إبراهيم النخعي، وعامرا الشعبي، والحكم بن عتيبة، وكان المبرز من هؤلاء إبراهيم النخعي، وكان إبراهيم أكثر الناس ملازمة لعلقمة وأكثرهم تأسيا به وأحفظهم لفقهه، نظرا لقرابة إبراهيم من علقمة، ولاحتضان علقمة إبراهيم منذ نعومة أظفاره واعتباره ولدا من أولاده، لأن علقمة لا ولد له، حتى إنهم كانوا يقولون: " إذا رأيت علقمة فلا يضرك ألا ترى ابن مسعود، أشبه الناس به سمتا وهديا، وإذا رأيت إبراهيم فلا يضرك ألا ترى علقمة " (٥) حتى كان البيهقي يرجح رواية النخعي والشعبي المنقطعة عن ابن مسعود على رواية أبي قيس الأودي الموصولة، وقال مبررا هذا الترجيح: والشعبي والنخعي أعلم بمذهب عبد الله وإن لم يرياه (٦).

ثم حمل الفقه عن هؤلاء حماد بن أبي سليمان، وسليمان بن مهران الأعمش، وسليمان بن


(١) صفة الصفوة ١/ ٤١٣.
(٢) ابن أبي شيبة ٢/ ١٦٥.
(٣) مصنف عبد الرزاق ١٠/ ٢٦٩.
(٤) إعلام الموقعين ١/ ٢٠.
(٥) تهذيب التهذيب ٧/ ١٧٧.
(٦) سنن البيهقي ٦/ ٢٥٥. .