وتنفرهم من الرذيلة؟ يجوز لنا أن نعتبر التمثيل غيبة فنحرمه بدعوى أن الغيبة محرمة؟
" هل ورد في النصوص الشرعية تصريحا أو تلميحا ما يدل على حرمة التمثيل الأخلاقي، أو يشير إلى اجتنابه، وعهدنا بهذا النوع من التمثيل أنه خير ما يغرس في النفوس حب الفضائل وكره الرذائل؟.
أرجو إجابتي على هذه الأسئلة حتى لا يبقى مجال لتغرير المسلمين باسم الشريعة، ورميها بسهام غير سديدة، هدانا الله بمناركم الوضاح إلى أقوم طريق.
الجواب: جاءنا مثل هذا السؤال أيضا من دمشقي آخر أشار إلى اسمه بحرفي (م. ن) وجاء في سؤاله أن السؤال واقعة حال في دمشق، وهي أن تلاميذ المدرسة العثمانية بدمشق مثلوا قصة زهير الأندلسي التي تشرح كيفية انقراض المسلمين من الأندلس، فقام بعض الحشوية من طلاب الشهرة وأصحاب الدعوى يشنعون على المدرسة ويكفرون تلاميذها ومعلميها، ويزعمون أنهم حاولوا هدم الإسلام بتذكير المسلمين بأسباب انقراض المسلمين من مملكة إسلامية كانت زينة ممالك الأرض بالعلوم والفنون والآداب، وخطبوا بذلك على المنابر في رمضان، وصدق فيهم قول من قال: إن لمتعصبي دمشق في كل رمضان ثورة.
أشار السائل الذي نشرنا نص سؤاله إلى ما صرح به السائل الآخر من احتجاج محرمي التمثيل على تحريمه بأنه يتضمن الغيبة وقال هذا المصرح إن بعضهم حرم قراءة الجرائد والمجلات بمثل هذا الدليل.
نقول: إن صح قولهم أن تلك القصة أو الواقعة التي مثلت في دمشق، كانت متضمنة لشيء من الغيبة -هو ما يستبعد جدا- فالمحرم فيها هو الغيبة لا جميع القصة ولا القصص التي تمثل ولا التمثيل نفسه.
وكان الأظهر أن يقولوا إنها تتضمن الكذب في بعض جزئياتها، وكأنهم فطنوا إلى كون الكذب غير مقصود فيها، ولا يتحقق إلا بالنسبة إلى مجموع القصة إذا كان ما تقرره وتودعه في الأذهان من مغزاها المراد غير صحيح، كأن تصور قصة زهير لقرائها، وحاضري تمثيلها أن الإسبانيين اضطهدوا المسلمين وفتنوهم عن دينهم وخيروهم بين الكفر والخروج من الوطن، ويكون هذا الذي تصوره لم يقع أو وقع ضده.
هذه القصص التمثيلية من قبيل ما كتبه علماؤنا المتقدمون من المقامات التي تقرأ في المدارس الدينية وغير الدينية، كمقامات البديع ومقامات الحريري، وقد كان الحريري -رحمه الله تعالى- توقع أن يوجد في عصره أمثال أولئك المتنطعين الذين حرموا قصة زهير الأندلسي، فرد عليهم بقوله في فاتحة مقاماته: