وأما قوله: النهي للمكثرات من زيارة القبور لصيغة المبالغة في النهي. فقوله هذا مرجوح؛ لأنه تخصيص بدون مخصص، فالخطاب عام، وصيغة المبالغة لتأكيد الحرمة. ومثل ذلك قول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(١)، فالآية المذكورة ليس لها مفهوم مخالفة، بحيث تبيح قليل الربا وتحرم كثيره، هذا لم يقل به عالم. فالآية أشارت إلى ما كانت عليه الجاهلية؛ كان الغريم - وهو الدائن - إذا جاء وقت سداد الدين، قال للمدين:" إما أن تقضي وإما أن تربي "، فإذا عجز عن السداد تضاعفت عليه الفائدة الربوية حتى تصبح أضعافا مضاعفة. فالربا كثيره وقليله حرام بإجماع علماء الإسلام.
وكذلك الحال في زيارة القبور للنساء، فالحديث ما حرم زيارة القبور على المكثرات من الزيارة، وأباح لغير المكثرات كما قاله القرطبي. فالحديث عام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لعن الله زوارات القبور»، فالحديث شمل الجميع المكثرات وغير المكثرات، وهذا هو الحق إن شاء الله. ومنعهن رحمة بهن.