للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعمرة إذا كانت النية منهم الإقامة بجدة ولو يوما واحدا ينطبق عليهم حكم المقيمين بجدة والنازلين بها فلهم أن يحرموا من جدة) انتهى. وهذا كلام باطل وخطأ ظاهر مخالف للأحاديث الصحيحة الواردة في المواقيت ومخالف لكلام أهل العلم في هذا الباب، ومخالف لما ذكره هو نفسه في الفقرة الأولى من كلمته المشار إليها آنفا لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت المواقيت لمريدي الحج والعمرة من سائر الأمصار، ولم يجعل جدة ميقاتا لمن توجه إلى مكة من سائر الأمصار والأقاليم، وهذا يعم الوافدين إليها من طريق البر أو البحر أو الجو، والقول بأن الوافد من طريق الجو لم يمر عليها قول باطل لا أساس له من الصحة، لأن الوافد من طريق الجو لا بد أن يمر قطعا بالمواقيت التي وقتها النبي -صلى الله عليه وسلم- أو على ما يسامتها، فيلزمه الإحرام منها، وإذا اشتبه عليه ذلك لزمه أن يحرم في المواضع الذي يتيقن أنه محاذيها، أو قبلها حتى لا يتجاوزها بغير إحرام، ومن المعلوم أن الإحرام قبل المواقيت صحيح وإنما الخلاف في كراهته وعدمها، ومن أحرم قبلها احتياطيا خوفا من مجاوزتها بغير إحرام فلا كراهة في حقه، أما تجاوزها بغير إحرام فهو محرم بالإجماع في حق كل مكلف أراد حجا أو عمرة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس المتفق عليه لما وقت المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة (١)» ولقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمر المتفق عليه: «يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن (٢)» وهذا اللفظ عند أهل العلم خبر بمعنى الأمر فلا تجوز مخالفته، وقد ورد في بعض الروايات بلفظ الأمر وذلك بلفظ ليهل والقول بأن من أراد الإقامة بجدة يوما أو ساعات من الوافدين إلى مكة من طريق جدة له حكم سكان جدة في جواز الإحرام منها قول لا أصل له، ولا أعلم به قائلا من أهل العلم، فالواجب على من يوقع عن الله ويفتي عباده في الأحكام الشرعية أن يتثبت فيما يقول، وأن يتقي الله في ذلك؛ لأن القول على الله بغير علم خطره عظيم وعواقبه وخيمة، وقد جعل الله سبحانه القول عليه بلا علم في أعلى مراتب التحريم لقوله -عز وجل-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (٣)، وأخبر سبحانه في آية أخرى أن ذلك مما يأمر به الشيطان فقال سبحانه في سورة البقرة {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (٤) {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (٥) وعلى مقتضى


(١) صحيح البخاري كتاب الحج (١٥٢٦)، صحيح مسلم الحج (١١٨١)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٦٥٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٣٢)، سنن الدارمي المناسك (١٧٩٢).
(٢) صحيح البخاري العلم (١٣٣)، سنن الترمذي الحج (٨٣١)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٦٥٢)، سنن أبو داود المناسك (١٧٣٧)، سنن ابن ماجه المناسك (٢٩١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٧)، موطأ مالك الحج (٧٣٢)، سنن الدارمي المناسك (١٧٩٠).
(٣) سورة الأعراف الآية ٣٣
(٤) سورة البقرة الآية ١٦٨
(٥) سورة البقرة الآية ١٦٩