للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا القول الباطل لو أراد من توجه من المدينة إلى مكة بنية الحج والعمرة أن يقيم بجدة ساعات جاز له أن يؤخر إحرامه إليها، وهكذا من توجه من نجد أو الطائف إلى مكة بنية الحج أو العمرة وأراد الإقامة في الزيمة أو الشرائع، وهذا قول لا يخفى بطلانه على من تأمل النصوص وكلام أهل العلم والله المستعان.

ثانيا: ذكر الشيخ عبد الله الأنصاري في الفقرة الخامسة ما نصه (يجوز لم يقصد أداء العمرة أن يتجه إلى التنعيم فيحرم منها حيث إنها الميقات الشرعي) انتهى. وهذه العبارة فيها إجمال وإطلاق، فإن كان أراد بها سكان مكة والمقيمين بها فصحيح، ولكن يؤخذ عليه قوله إن التنعيم هو الميقات الشرعي فليس الأمر كذلك بل الحل كله ميقات لأهل مكة والمقيمين بها فلو أحرموا من الجعرانة أو غيرها من الحل فلا حرج، وكانوا بذلك محرمين من ميقات شرعي، وقد «أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بعائشة إلى الحل لما أرادت العمرة (١)»، وكونها أحرمت من التنعيم لا يوجب ذلك أن يكون هو الميقات الشرعي وإنما قصاراه أن يدل على الاستحباب كما قاله بعض أهل العلم لأن في بعض الروايات من حديثها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم، وذلك والله أعلم لكونه أقرب الحل إلى مكة جمعا بين الروايات، أما إن أراد بهذه العبارة أن كل من أراد العمرة له أن يحرم من التنعيم ولو كان في جهة أخرى من الحل فليس بصحيح لأن كل من كان في جهة من الجهات خارج الحرم ودون المواقيت فإن ميقاته من أهله للحج والعمرة جميعا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس المتفق عليه: (ومن كان دون ذلك) يعني دون المواقيت (فمهله من أهله) وفي لفظ (فمهله من حيث أنشأ) وقد أحرم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجعرانة عام الفتح لما فرغ من تقسيم غنائم حنين فلم يذهب إلى التنعيم والله ولي التوفيق.

ثالثا: ذكر الشيخ عبد الله في الفقرة السادسة والسابعة ما نصه (لا حجة لمن يقول بأن القاصد إلى جدة بالطائرة يمر بالميقات لأنه لا يمر بأي ميقات من المواقيت بل هو هائم أو طائر في الجو ولم ينزل إلا بجدة) ونص الحديث ولمن مر بهن ولا يعتبر من كان طائرا بالهواء بأنه مار بأي ميقات، انتهى كلامه. وهذا القول غير صحيح وقد مضى الرد عليه آنفا وقد سبق الشيخ عبد الله الأنصاري إلى هذا الخطأ الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في مقال وزعه زعم فيه أن الوافد من طريق الجو أو البحر إلى مكة لا يمر على المواقيت وزعم أن ميقاته جدة وقد أخطأ في ذلك


(١) صحيح البخاري الحج (١٥٦٠)، صحيح مسلم الحج (١٢١١)، سنن الترمذي الحج (٩٣٤)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٧٦٣)، سنن أبو داود المناسك (١٧٧٨)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٠٠)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٧٣)، موطأ مالك الحج (٩٤٠)، سنن الدارمي المناسك (١٩٠٤).