للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلماء في ذلك فقال أبو عمر بن عبد البر: لا أعلم خلافا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان، وأن على السلطان أن يقيمها إذا بلغته، وذكر الخطابي وغيره عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس ومن لم يعرف، فقال: لا يشفع للأول مطلقا سواء بلغ الإمام أم لا، وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام " (١).

هذه الشفاعة في أمور الدنيا.

وأما الفرق بين الشفاعة في الدنيا والشفاعة في الآخرة فقد بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: (فشفاعة المخلوق عند المخلوق تكون بإعانة الشافع للمشفوع له بغير إذن المشفوع عنده، بل يشفع إما لحاجة المشفوع عنده إليه، وإما لخوفه منه، فيحتاج إلى أن يقبل شفاعته، والله تعالى غني عن العالمين وهو وحده سبحانه يدبر العالمين، فما من شفيع إلا من بعد إذنه، فهو الذي أذن للشفيع في الشفاعة وهو يقبل شفاعته كما يلهم الداعي الدعاء ثم يجيب دعاءه، فالأمر كله له، فإذا كان العبد يرجو شفيعا من المخلوقين، فقد لا يختار ذلك الشفيع أن يشفع له، وإن اختار فقد لا يأذن الله له في الشفاعة ولا يقبل شفاعته " (٢).

كما بين الفرق بينهما الحافظ ابن القيم رحمه الله بقوله:


(١) فتح الباري لابن حجر (١٢/ ٩٥).
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (٢/ ٨٢٣).