للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باعتبارين. وأي محذور في هذا؟ كمنافع الإجارة فإن المستأجر له أن يؤجر ما استأجره، فتكون المنفعة مضمونة له وعليه وكالثمار بعد بدو صلاحها، له أن يبيعها على الشجر وإن أصابتها جائحة رجع على البائع، فهي مضمونة له وعليه. ونظائره كثيرة.

وأيضا: فبيعه من بائعه شبيه بالإقالة وهي جائزة قبل القبض على الصحة.

وأيضا: فدين السلم تجوز الإقالة فيه بلا نزاع. وبيع المبيع لبائعه قبل قبضه غير جائز في أحد القولين.

فعلم أن الأمر في دين السلم أسهل منه في بيع الأعيان. فإذا جاز في الأعيان أن تباع لبائعها قبل القبض فدين السلم أولى بالجواز، كما جازت الإقالة فيه قبل القبض اتفاقا. بخلاف الإقالة في الأعيان.

ومما يوضح ذلك: أن ابن عباس لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه، واحتج عليه بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه. وقال "أحسب كل شيء بمنزلة الطعام ومع هذا فقد ثبت عنه: أنه جوز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح فيه ولم يفرق بين الطعام وغيره، ولا بين المكيل والموزون وغيرهما، لأن البيع هنا من البائع للبائع الذي هو في ذمته. فهو يقبضه من نفسه لنفسه، بل في الحقيقة ليس هنا قبض، بل يسقط عنه ما في ذمته، فتبرأ ذمته وبراءة الذمم مطلوبة في نظر الشرع لما في شغلها من المفسدة. فكيف يصح قياس هذا على بيع شيء غير مقبوض لأجنبي لم يتحصل بعد ولم تنقطع علق بائعه عنه؟ وأيضا: فإنه لو سلم المسلم فيه ثم أعاده إليه جاز فأي فائدة في أخذه منه ثم إعادته إليه؟ وهل ذلك إلا مجرد كلفة ومشقة لم تحصل بها فائدة؟

ومن هنا يعرف فضل علم الصحابة وفقههم على كل من بعدهم.

قالوا: وأما استدلالكم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن: فنحن نقول بموجبه وأنه لا يربح فيه كما قال ابن عباس: "خذ عوضا بأنقص منه ولا تربح مرتين".

فنحن إنما نجوز له أن يعارض عنه بسعر يومه، كما «قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر في بيع النقود في الذمة: " لا بأس إذا أخذتم بسعر يومها (١)» فالنبي صلى الله عليه وسلم


(١) سنن النسائي البيوع (٤٥٨٢)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٥٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٣٩)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٨١).