للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مؤجل لأنه حينئذ يصير بيع دين بدين وهو منهي عنه، وأما بيعه بعوض حاضر من غير ربح فلا محذور فيه كما أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر.

فالذي نهى عنه من ذلك: هو من جنس ما نهى عنه من بيع الكالئ بالكالئ والذي يجوز منه هو من جنس ما أذن فيه من بيع النقد لمن هو في ذمته بغيره من غير ربح.

وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه: فهذا إنما هو في المعين أو المتعلق به حق التوفية من كيل أو وزن فإنه لا يجوز بيعه قبل قبضه. وأما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء وفائدته سقوط ما في ذمته عنه لا حدوث ملك له. فلا يقاس بالبيع الذي يتضمن شغل الذمة. فإنه إذا أخذ منه عن دين السلم عوضا أو غيره أسقط في ذمته. فكان كالمستوفي دينه لأن بدله يقوم مقامه. ولا يدخل هذا في بيع الكالئ بالكالئ بحال.

والبيع المعروف: هو أن يملك المشتري ما اشتراه. وهذا لم يملك شيئا. بل سقط الدين من ذمته. ولهذا لو وفاه ما في ذمته لم يقل إنه باعه دراهم بدراهم بل يقال وفاه حقه بخلاف ما لو باعه دراهم معينة بمثلها. فإنه بيع. ففي الأعيان إذا عاوض عليها بجنسها أو بعين غير جنسها يسمى بيعا. وفي الدين إذا وفاها بجنسها لم يكن بيعا. فكذلك إذا وفاها بغير جنسها لم يكن بيعا بل هو إيفاء فيه معنى المعاوضة ولو حلف ليقضينه حقه غدا فأعطاه عنه عوضا بر في أصح الوجهين.

وجواب آخر: أن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه أريد به بيعه من غير بائعه. وأما بيعه من البائع ففيه قولان معروفان.

وذلك لأن العلة في المنع إن كانت توالي الضمانين اطرد المنع في البائع وغيره، وإن كانت عدم تمام الاستيلاء. وأن البائع لم تنقطع علقه عن المبيع. بحيث ينقطع طمعه في الفسخ ولا يتمكن من الامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه. لم يطرد النهي في بيعه من بائعه قبل قبضه لانتفاء هذه العلة في حقه. وهذه العلة أظهر وتوالي الضمانين ليس بعلة مؤثرة ولا تتنافى بين كون العين الواحدة مضمونة له من وجه وعليه من وجه آخر. فهي مضمونة له وعليه