قال ابن القيم - رحمه الله -: " التفكر يوقع صاحبه من الإيمان على ما لا يوقعه عليه العمل المجرد، فإن التفكر يوجب له من انكشاف حقائق الأمور وظهورها له، وتميز مراتبها في الخير والشر ومعرفة مفضولها وفاضلها وأقبحها من قبيحها ومعرفة أسبابها الموصلة إليها، وما يقاوم تلك الأسباب ويدفع موجبها والتمييز بين ما ينبغي السعي في تحصيله وبين ما ينبغي السعي في دفع أسبابه "(١).
وأعظم ما ينبغي أن يتفكر به المرء القرآن العظيم، ليجني من ذلك علوما عديدة منها: علم التوحيد وما لله من صفات الكمال، فإذا مرت عليه الآيات في توحيده وأسمائه وصفاته أقبل عليها، فإذا فهمها وفهم المراد منها أثبتها لله على وجه لا يماثله فيه أحد، وعرف أنه ليس له مثيل في ذاته ولا في صفاته، وامتلأ قلبه من معرفة ربه وحبه بحسب العلم بكمال الله وعظمته، فإن القلوب مجبولة على محبة الكمال فكيف بمن له الكمال المطلق؟ ومنه النعم الجزيلة، وهذا العلم هو أجل علوم القرآن على الإطلاق وهو أصل العلم وأصل التعبد.
ومنها: معرفة صفات الرسل وأحوالهم وما جرى لهم وعليهم، وما كانوا عليه من الأوصاف الراقية والأخلاق الكريمة. ومن ذلك علم أهل السعادة والخير، وأهل الشقاء والشر، والفرقان بين هؤلاء وهؤلاء.