للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نظراء (١)، والمتهم لا تقبل شهادته فيما اتهم به.

ونوقش هذا الاستدلال بما يلي:

أ- أن عموم الأدلة من الكتاب والسنة يدل على عدم التفريق بين ما حد فيه وما لم يحد فيه، فإن الأدلة تدل على أن من فعل ما يفسق به ثم تاب، فإن التوبة تزيل عنه الفسق، ويصير عدلا، والعدل مقبول الشهادة.

ومن أصرح الأدلة في هذا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (٢) {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣) فدلت هذه الآية بعمومها على قبول شهادة القاذف إذا تاب من غير تفريق بين ما حد فيه وغيره؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين الأحكام المترتبة على القذف، ومنها رد الشهادة، ثم استثنى بعد الذين تابوا، والاستثناء عائد على جميع ما تقدمه سوى الحد، فإن المسلمين مجمعون على أنه لا يسقط عن القاذف بالتوبة. فيكون رد شهادة القاذف يزول بالتوبة؛ لأنه داخل في الاستثناء، وتعود إليه أهلية الشهادة التي فقدها بسبب القذف، من غير فرق بين ما حد فيه وما لم يحد فيه، لأن الآية لم تفرق بينهما، والأصل في دلالة الكتاب والسنة، أن تحمل على ما اقتضته من عموم أو خصوص، حتى


(١) المغني لابن قدامة (١٤/ ١٨٧).
(٢) سورة النور الآية ٤
(٣) سورة النور الآية ٥