للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

*والمعنى الثاني: أن يكون المراد بالفطرة ملة الإسلام التي خلقهم الله تعالى عليها، فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه لكانوا مسلمين موحدين.

وقد توجه الخطاب في صدر الآية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أمره الحق تبارك وتعالى أن يسدد وجهه ويستمر على الدين الذي شرعه الله، ويثبت عليه مائلا عما سواه، غير ملتفت إلى غيره، وأن يلزم الفطرة السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر الخلق على توحيده وعبادته: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (١) ولكن الخطاب يشمل جميع الأمة، وإنما توجه الخطاب بصيغة المفرد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتباره إماما لأمته، فأمره عليه الصلاة والسلام يستتبع أمرهم، ولذا جاء قوله تعالى بعد: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ} (٢) بصفة الجمع.

ويتأكد الأمر بلزوم فطرته تعالى بالجملة التي وقعت تعليلا له: {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (٣) سواء أكانت هذه الجملة خبرا بمعنى الطلب، أي لا تبدلوا خلق الله فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها، أم كانت خبرا على بابه، والمعنى أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بين الناس في هذا. أو المعنى لا صحة ولا استقامة لتبديل الفطرة بما يخل بها من اتباع الهوى وخطوات الشيطان، فالخبر على بابه وليس بمعنى الطلب.

وذلك هو الدين المستوي الذي لا عوج فيه، وهو الفطرة السليمة المستقيمة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك، فيصدون عنه، ويتنكبون طريقه، وفي مثل هذه الحال يكون الرجوع إلى الله والإنابة إليه واجتناب ما نهى عنه والقيام على الدين، وعماده الصلاة، يكون ذلك ضمانا للحفاظ على سلامة الفطرة مرة أخرى.

ثم يأتي النهي عن الشرك بما يدل على أن انحراف الفطرة من ضروب الشرك، وأن المبدلين لفطرة الله تعالى يشركون به، فيختلفون في معتقداتهم وسلوكهم باختلاف أهوائهم وشهواتهم، واختلاف نحل من يستدرجونهم للضلال والباطل، ويتفرقون فرقا


(١) سورة الروم الآية ٣٠
(٢) سورة الروم الآية ٣١
(٣) سورة الروم الآية ٣٠