للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال تعالى في عيسى عليه السلام: {وَرُوحٌ مِنْهُ} (١).

كذلك كانت طبيعة النفس البشرية، فهي طبيعة مزدوجة في استعداها لازدواج طبيعة خلق الإنسان، يقول تعالى في طبيعة هذه النفس واستعدادها للخير والشر، والهدى والضلال، والحق والباطل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} (٢) {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (٣) {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (٤) {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (٥) والنفس: الروح، أو ما يكون به التمييز، وقد يعبر بها عن الإنسان جميعه، والمراد بها هنا: القوة المدبرة المميزة في الإنسان، وتسويتها: إعطاؤها القوى الكثيرة، كالقوى السامعة والباصرة والمفكرة. وذلك عام في كل نفس، والتنكير للتكثير، هذه النفس الإنسانية زودها الله باستعدادات متساوية للتقوى والفجور، تكمن في كيانها، فإما أن يوفقها الله بالتقوى، وإما أن يخذلها بالفجور، والفائز هو الذي يزكيها بالطاعة، وينمي استعدادها للخير بالاستقامة، والخاسر من أخفى هذا الاستعداد الخير بالفجور والمعصية، فالتزكية: التطهير، والتزكية كذلك: الإنماء والإعلاء بالتقوى، والتدسية: النقص والإخفاء بالفجور، وأصل دس: دسس كما قيل في تقضض تقضي.

إن تعاهد بواعث الخير في النفس يجعلها زاكية نامية تفيض بالبر والهدى والخير والتقوى والصلاح، ولا شيء يطفئ تلك البواعث ويحجب آثارها الخيرة ويخفي استعدادها للنماء واستعلاءها على نوازع الشر كالفجور الذي يطمس معالمها.

وفي هذا المعنى جاء قول الله تعالى عن الإنسان: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} (٦) {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} (٧) {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (٨)، جعل الله للإنسان من الحواس ما يطلعه على كائنات الله وما أودعه الله من أسرار وفي مقدمتها حاسة النظر، وخلق فيه أداة التعبير والبيان عما يجول في جوانحه من أفكار، وهداه النجدين، والنجدان: هما سبيلا الخير والشر، من النجد وهو الطريق المرتفع، فكأنه لما وضحت الدلائل جعلت كالطريق المرتفعة العالية لأنها واضحة للعقول وضوح الطريق العالي للأبصار.


(١) سورة النساء الآية ١٧١
(٢) سورة الشمس الآية ٧
(٣) سورة الشمس الآية ٨
(٤) سورة الشمس الآية ٩
(٥) سورة الشمس الآية ١٠
(٦) سورة البلد الآية ٨
(٧) سورة البلد الآية ٩
(٨) سورة البلد الآية ١٠