للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صلب الرجل وترائب المرأة، وروحه التي كانت بها حياته هي الجانب الأسمى الذي منحه الله إياه، يقول تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} (١) {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (٢)، ويقول عز وجل: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} (٣) {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} (٤) {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (٥). .

فالتكوين المادي الجسدي في نشأة آدم أبي البشر يرجع إلى الطين اليابس الذي يصل من يبسه أي: يصوت، الطين المتغير من طول مكثه الذي أفرغ على صورة الإنسان، ويرجع هذا التكوين الجسدي في النسل البشري إلى نطفة الرجل وبويضة المرأة، والتكوين الروحي يرجع إلى النفخة العلوية من روح الله، وهي النفخة التي نقلت هذا التكوين الجسدي إلى الأفق الأعلى في التلقي عن الله والاتصال بالله، وأعطته خصائص الإنسانية الكريمة التي أهلته للخلافة في الأرض، وكيفية هذا التكوين المزدوج من الأسرار الإلهية التي نؤمن بها أدرك العلم شيئا منها أو لم يدرك.

وشتان بين عناصر الجانبين في هذا التكوين المزدوج، فعناصر التكوين العضوي تشد الإنسانية إلى ضرورات بقائها في الطعام والشراب والملبس والمسكن وفي الشهوات والنزوات، وتجذبه إلى أصلها، إلى الطين أو الماء المهين، وعناصر التكوين الروحي تسمو بالإنسانية إلى الأفق السماوي وتوثيق الصلة بالملأ الأعلى، إيمانا وعبادة واستقامة واستعلاء على جواذب الأرض، وترفعا عن مطالبها الهابطة، وتطلعا إلى القمة السامقة في نقاء النفس وطهارة الضمير، {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} (٦) والروح من خلق الله، وإنما أضيفت إلى الله تشريفا وتكريما، كقوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} (٧)، وقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (٨) وكما


(١) سورة الحجر الآية ٢٨
(٢) سورة الحجر الآية ٢٩
(٣) سورة السجدة الآية ٧
(٤) سورة السجدة الآية ٨
(٥) سورة السجدة الآية ٩
(٦) سورة السجدة الآية ٩
(٧) سورة الشمس الآية ١٣
(٨) سورة الحج الآية ٢٦