للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الحديث القدسي: «يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم (١)».

وأصل الحنف في القدمين: إقبال كل واحدة منهما على الأخرى بإبهامها، أو ميل كل واحدة من الإبهامين على صاحبتها، والحنيف: المائل، ثم عبر بذلك عن الميل إلى الحق، فالحنيف: المسلم المستقيم الذي يميل عن الباطل إلى الحق، وعن الضلال إلى الهدى، والحنيفية: ملة إبراهيم وهي ملة الإسلام.

واجتالتهم الشياطين: أي استخفتهم، فجالوا معها في الضلال، يقال: جال واجتال: أي ذهب وجاء، ومنه الجولان في الحرب، واجتال الشيء: إذا ذهب به وساقه.

أي أن الله سبحانه وتعالى خلق عباده بفطرتهم على ملة الإسلام، فجاءتهم شياطين الإنس والجن وحادت بهم عن هذا الدين الحنيف.

ودلت أحاديث أخرى على أن الفطرة المركوزة في النفس البشرية هي توحيد الله تعالى.

ففي حديث البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأ ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، واجعلهن من آخر كلامك، فإن مت من ليلتك مت على الفطرة (٢)»، أي مت على الإسلام. ٢ - وأودع الله في النفس البشرية استعدادها للخير واستعدادها للشر، إن طبيعة الإنسان في خلقه تشبه طبيعته النفسية، ولقد كان الخلق الإنساني مزدوجا في أصل تكوينه من المادة والروح، فمادته في النشأة الأولى من طين أو صلصال من حمأ مسنون، وفي نسله الممتد من ماء مهين، هو ماء الزوجين الذي يخرج من


(١) رواه مسلم.
(٢) متفق عليه.