للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معنى الآية أن الله تعالى أخرج من ظهور بني آدم بعضهم من بعض، قالوا: ومعنى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (١) دلهم بخلقه على توحيده، لأن كل بالغ ضرورة أن له ربا واحدا {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (٢) أي قال: فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم والإقرار منهم، كما قال تعالى في السماوات والأرض قالتا ائتيا طائعين أي هذا كان بلسان الحال لا بلسان المقال.

* وقال ابن كثير في تفسيره: قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد كما تقدم في حديث أبي هريرة (٣)، وقد فسر الحسن الآية بذلك. ولهذا قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} (٤) ولم يقل من آدم، {مِنْ ظُهُورِهِمْ} (٥) ولم يقل من ظهره، ذريتهم أي جعل نسلهم جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن، كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} (٦).

والشهادة تارة تكون بالقول كقوله تعالى: {قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} (٧)، وتارة تكون حالا كقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} (٨) أي حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك، ومما يدل على أن المراد ذلك جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك، فلو كان قد وقع هذا كما قال من قال لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه، فإن قيل إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم به كاف في وجوده، فالجواب: أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره، وهذا جعل حجة مستقلة عليهم، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد، ولهذا قال: أن تقولوا أي لئلا تقولوا يوم القيامة: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا} (٩) أي التوحيد {غَافِلِينَ} (١٠) {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا} (١١) الآية.


(١) سورة الأعراف الآية ١٧٢
(٢) سورة الأعراف الآية ١٧٢
(٣) إشارة إلى حديث: " ما من مولود إلا يولد على الفطرة " الآنف الذكر.
(٤) سورة الأعراف الآية ١٧٢
(٥) سورة الأعراف الآية ١٧٢
(٦) سورة الأنعام الآية ١٦٥
(٧) سورة الأنعام الآية ١٣٠
(٨) سورة التوبة الآية ١٧
(٩) سورة الأعراف الآية ١٧٢
(١٠) سورة الأعراف الآية ١٧٢
(١١) سورة الأعراف الآية ١٧٣