للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ذهب المفسرون في بيان هذا الميثاق إلى مذهبين رئيسين:

* أولهما: أن يحمل هذا على الحقيقة كما جاء في عدة آثار بألفاظ متقاربة وإن تعددت روايتها، منها ما جاء مرفوعا، ومنها ما جاء موقوفا، قال ابن كثير: " والموقوف أكثر وأثبت". جاء في هذه الآثار أن الله سبحانه وتعالى مسح ظهر آدم، فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى. وكل فعل ينسب إلى الله بسند صحيح يجب الإيمان به والتسليم بوقوعه، وإن لم ندرك كنهه أو نعلم كيفيته، مع إيماننا بأن كيفيات أفعاله تعالى ليست مثل كيفيات أفعال خلقه، كما أنه لا يشبه خلقه في ذاته ولا في صفة من صفاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (١). .

ولا غرابة في ذلك، فإن العلم الحديث عن الأجنة والوراثة، يقرر أن الناسلات وهي خلايا الوراثة التي تحفظ سجل الإنسان وتكمن فيها خصائص الأفراد وهم بعد خلايا في الأصلاب، يقرر العلم أن هذه الناسلات التي تحفظ سجل ثلاثة آلاف مليون من البشر، وتكمن فيها خصائصهم كلها لا يزيد حجمها على (سنتمتر مكعب) (٢).

* ثانيهما: وثاني هذين المذهبين في تفسير الآية أن يكون هذا من باب التمثيل لخلق الله تعالى الناس جميعا على الفطرة، فقد نصب الله دلائل توحيده في الأنفس والآفاق، وخلق في الإنسان الحواس والقوى المدركة التي يؤدي النظر السليم بها في كائنات الله إلى الإيمان به والاعتراف بوحدانيته، فجعل تمكينهم من ذلك كالاعتراف والإشهاد، كما قيل في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (٣). .

* قال القرطبي في تفسير آية الميثاق: وهذه آية مشكلة، وقد تكلم العلماء في تأويلها وأحكامها، فنذكر ما ذكروه من ذلك حسب ما وقفنا عليه، فقال قوم:


(١) سورة الشورى الآية ١١
(٢) انظر في ظلال القرآن: للشهيد سيد قطب في تفسير الآية.
(٣) سورة فصلت الآية ١١