للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبعثة الرسل من أعظم نعم الله، ونقض الله تعالى في هذه الآيات دعوى المنكرين بإنزال التوراة العظيمة، وهو الكتاب الذي شاع ذكره حتى أنهم جعلوا يتناسخونه في القراطيس ويتصرفون فيه بما شاءوا، أي اليهود، وفي قوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} (١) قراءتان بالتاء وبالياء (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا) فعلى قراءة الياء يكون القائلون ما أنزل الله على بشر من شيء هم مشركي قريش، وقصدهم من ذلك إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، واحتجاجه عليهم تعالى بالتوراة؛ لأنه شاع ذكرها وليس المراد مجرد إلزامهم بالاعتراف بإنزال التوراة فقط، بل بإنزال القرآن (٢)، والقائلون بأن قائل هذا مشركو قريش هم: ابن عباس ومجاهد وغيرهما واختاره الطبري وابن كثير (٣).

وقيل: بل القائل: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} (٤) هو رجل من اليهود اختلف في اسمه، ويشهد لهذا القول قراءة التاء، وهم إنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألزموا ما لا بد لهم من الإقرار به من إنزال التوراة على موسى، وأدرج تحت الإلزام توبيخهم بسوء صنيعهم بالتوراة، وذمهم على تجزئتها بإبداء بعض ما انتخبوه وكتبوه في أوقات متفرقة، وإخفاء بعض مثل ما أخفوه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم (٥).


(١) سورة الأنعام الآية ٩١
(٢) ينظر: تفسير أبي السعود ٣/ ١٦٠، الكشاف، الزمخشري ٢/ ٣٤.
(٣) ينظر تفسير الطبري ١١/ ٥٢٣، تفسير القرطبي ٧/ ٣٦، تفسير ابن كثير ٢/ ١٦١.
(٤) سورة الأنعام الآية ٩١
(٥) ينظر الكشاف، الزمخشري ٢/ ٣٤، تفسير البيضاوي ٤/ ٩٣.