للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء بيان حكم من أنكر النبوة في نظم غاية في الحسن، وذلك بعد أن ذكر الله تعالى في سورة الأنعام محاجة إبراهيم لقومه وذكر الأنبياء ثم قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} (١) أي ما عظم الله حق تعظيمه ولا عرفه حق معرفته، من أنكر النبوة ونفى الرسالة من المشركين وغيرهم.

ذلك أن منكر الرسالة إما أن يقول: إنه تعالى ما كلف أحدا من الخلق تكليفا أصلا، أو يقول: إنه كلفهم التكاليف، والأول باطل؛ لأنه يقتضي إباحة جميع المنكرات والقبائح، وإن قال بل كلفهم؛ فلا بد من مبلغ وشارع ومبين وما هو إلا الرسول.

كذلك إنكار الرسالة والنبوة طعن في الله فقد ثبت حدوث العالم، وحدوثه يدل على أن إله العالم قادر حكيم عليم، والخلق كلهم عبيده، وهو مالك لهم على الإطلاق، وملك لهم على الإطلاق، والملك المطاع يجب أن يكون له أمر تكليف على عباده، وأن يكون له وعد على الطاعة ووعيد على المعصية، وذلك لا يتم إلا بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ فكل من أنكر ذلك فقد طعن في كونه تعالى ملكا مطاعا، ومن اعتقد ذلك فهو ما قدر الله حق قدره (٢).


(١) سورة الأنعام الآية ٩١
(٢) التفسير الكبير، الرازي ١٣/ ٧٤.